للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. وقال: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾، إنكار عليهم، وتهديد لهم، فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبًا واستبعادًا: ﴿ائتنا بعذاب الله﴾ كما قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ] [١]﴾، ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾، أي: [ولو] [٢] أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾.

وقال تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾.

ولهذا قال: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾.

وفي الحديث الصحيح (١٢): ﴿يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرًا قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا [والله يارب] [٣]. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا -كان في الدنيا- فيصبغ في الجنة صبغة، لم يقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا [والله يا رب] [٤]، " أي: ما كأن شيئًا [٥] كان؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب يتمثل بهذا البيت:

كأنك لَم تُوتِرْ مِنَ الدهر ليلةً … إذا أنت أدركتَ الذي كنتَ تطلب

ثم قال تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه: إنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإِعذار إليهم والإنذار لهم وبعثة الرسل إليهم [٦] وقيام الحجج عليهم. ولهذا قال: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾.


(١٢) رواه مسلم حديث ٥٥ - (٢٨٠٧). والنسائي (٦/ ٣٦). وأحمد في مسنده (٣/ ٢٠٣) (١٣١٣٥) من حديث أنس بن مالك، .