للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنهم عباد الله المؤمنون، وحزبه الخلصون، وهم معك في العذاب المهين. فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون عما هنالك بالكلية، ونظر بعين الازدراء والغمص فقال: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾. [أي: أما أنت الذي ربيناه] [١] فينا، وفي بيتنا، وعلى فراشنا [] (*)، وأنعمنا عليه مدة من السنين، ثم بعد هذا قابلت ذاك [٢] الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلًا، وجحدت نعمتنا عليك. ولهذا قال: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، أي: الجاحدين. قاله ابن عباس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير ﴿قَال فَعَلْتُهَا إِذًا﴾، أي: في تلك الحال، ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي: قبل أن يُوحى إليّ ويُنعم الله عليّ بالرسالة والنبوة.

قال ابن عباس ومجاهد، وقتادة، والضحاك وغيرهم: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي: الجاهلين.

قال [٣] ابن جريج: وهي كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود، .

﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: الحال الأول انفصل وجاء أمر آخر، فقد [٤] أرسلني الله إليك، فإن أطعته سَلمت، وإن خالفته عَطبت.

ثم قال موسى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، أي: وما أحسنت إليَّ وربَّيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل، فجعلتهم عبيدًا وخدمًا، تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفَيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم؟ أي: ليس ما ذكرته شيئًا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.

﴿قَال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالمِينَ (٢٣) قَال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قَال لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قَال رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قَال إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَال رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده، في قوله: ﴿وَمَا رَبُّ


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
(*) ما بين المعكوفين في ز: وهو ما. وفي خ: حدثنا.
[٢]- في ت: "هذا".
[٣]- في ز، خ: "وقال".
[٤]- في ز، خ: "قد".