للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول، فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا [١] شهرًا، والناس يفيضون في قول أهل الإِفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يرييني في وجعي أني لا أعرف [٢] من رسول اللَّه [اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول اللَّه ، [٣] فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم؟ " فذلك الذي [٤] يرييني، ولا أشعر بالشر حتى [٥] خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطع قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه [في البرية] [٦]، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد المطلب [بن عبد مناف] [٧]، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المضلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم [أم مسطح] [٨] قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها (**)، ففالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئسما قلت! تسبين رجلًا شهد بدرًا؟ قالت [٩]: أي هنتاه ألم تسمعي ما قال: قلت: وماذا قال: قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل [١٠] على رسول اللَّه فسلَّم [١١] ثم قال: "كيف تيكم؟ " [قلت] [١٢]: أتأذن بي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي [١٣] رسول اللَّه فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه؛ ما [١٤] يتحدث الناس [١٥]؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فواللَّه لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت: فقلت [١٦]: سبحان اللَّه،


(*) الكُنُف: الكنيف: الساتر ويسمى التُّرسُى (كنيفًا) لأنه يستر صاحبه، وقيل للمرحاض: (كنيف). المصباح المنير [٢/ ٥٤٢].
(**) مِرْطها: المِرْط: كساء من صوف أَوْ خَز يؤتزر به، وتتلفع المرأة به، والجمع (مُرُوط). المصباح المنير [٢/ ٥٦٩].