للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحارث لابن عبد المطلب آنفًا ولا قعد، وقد زعم محمد [أنَّا وما] [١] نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبد الله بن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدًا: [أكل] [٢] ما يُعْبَد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود [تعبد] [٣] عزيزًا، والنصارى [تعبد] [٤] عيسى ابن مريم؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله فقال: "كل من أحب أن يُعْبَد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن [أمرتهم] [٥] بعبادته". وأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾. أي: عيسى وعزيز ومن عبدوا من الأحبار والرهبان، الذين مضوا على طاعة الله، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله.

ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾. ونزل فيما ذكر من أمر عيسى، وأنه يعبد من دون الله، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾. أي: ما وضعت على يديه من الآيات؛ من إحياء الموتى، وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم الساعة، يقول: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾. وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطابًا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها، ولهذا قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾. فكيف يورد على هذا المسيح والعزيز ونحوهما، ممن له عمل صالح، ولم يرض بعبادة من عبده؟ وعول ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن "ما" لما لا يعقل [عند] [٦] العرب، وقد أسلم عبد الله بن الزبعرى بعد ذلك، وكان من الشعراء المشهورين، كان يهاجي المسلمين أولًا ثم قال معتذرًا:

يا رسول المليك؛ إن لساني … رائق ما فتقت إذ أنا بور


[١]- في ز: "أبان".
[٢]- في ت: "كل".
[٣]- في ز: "يعبدوا".
[٤]- في ز: "يعبدوا".
[٥]- في ز: "أمرهم".
[٦]- في ز: "عن".