للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)

يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن، ومحرضًا لهم على معرفة قدره: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ قال ابن عباس: شرفكم. وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.

﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، أي: هذه النعمة و [تتلقَّونها] [١] بالقبول، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ وقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ هذه صيغة تكثير، كما قال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ وقال تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [أَهْلَكْنَاهَا] [٢] وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ الآية.

وقوله: ﴿وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾، أي: أمة أخرى بعدهم ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾، أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم [لا محالة] [٣]، كما وعدهم نبيهم ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾، أي: يفرون هاربين ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾، هذا تهكم بهم قدرًا، أي: قيل لهم قدرًا: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور [والمعيشة] [٤] والمساكن الطيبة.

قال قتادة: استهزاءً بهم.

﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ أي: عما كنتم فيه من أداء شكر النعم [٥].

﴿قَالُوا يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، ﴿فَمَا زَالتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾، أي: ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هِجّيرَاهم (*) حتى حصدناهم [حصدًا] [٦]، وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا.


(*) الهجيري: الدأب والعادة. ولا تكاد تستعمل إلا في العادة الذميمة. الوسيط.