يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن، ومحرضًا لهم على معرفة قدره: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ قال ابن عباس: شرفكم. وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، أي: هذه النعمة و [تتلقَّونها][١] بالقبول، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ وقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ هذه صيغة تكثير، كما قال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ وقال تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [أَهْلَكْنَاهَا][٢] وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ الآية.
وقوله: ﴿وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾، أي: أمة أخرى بعدهم ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾، أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم [لا محالة][٣]، كما وعدهم نبيهم ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾، أي: يفرون هاربين ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾، هذا تهكم بهم قدرًا، أي: قيل لهم قدرًا: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور [والمعيشة][٤] والمساكن الطيبة.
قال قتادة: استهزاءً بهم.
﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ أي: عما كنتم فيه من أداء شكر النعم [٥].
﴿قَالُوا يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، ﴿فَمَا زَالتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾، أي: ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هِجّيرَاهم (*) حتى حصدناهم [حصدًا][٦]، وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا.
(*) الهجيري: الدأب والعادة. ولا تكاد تستعمل إلا في العادة الذميمة. الوسيط.