للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الله [١] تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ﴾ أيها الناس أمة واحدة، كقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ أي: لوفق بينكم، ولما جعل اختلافًا ولا تباغضًا ولا شحناء ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ وهكذا قال ها هنا: ﴿وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم، فيجازيكم عليها؛ على الفتيل والنقير والقطمير، ثم حذر تعالى عباده من [٢] اتخاذ الأيمان دخلًا أي: خديعة ومكرًا؛ لئلا تزل قدم بعد ثبوتها، مثل لمن كان على الاستقامة [٣] فحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أي: لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها فإنها قليلة، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له، أي: جزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به، وطلبه وحفظ عهده [٤] رجاء موعوده، ولهذا قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ أي: يفرغ وينقضي، فإنه إلى أجل معدود محصور مقدر متناه ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ أي: وثوابه لكم في الجنة بأن لا انقطاع [ولا نفاد له]، فإنه دائم لا يحول ولا يزول ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قسم من الرب تعالى [٥] مؤكد [٦] باللام: أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم، أي: ويتجاوز عن سيئها.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه [] من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه [٧]


[١]- سقط من: ز.
[٢]- في خ: "عن"، والمثبت من: ز.
[٣]- في ز: "استقامة".
[٤]- في ز، خ: "عبد الله".
[٥]- في خ: "﷿".
[٦]- في ز: "متلقى".
[٧]- في ز: "يجزى".