للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإِخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه.

ويحتمل أن يكون سبب [نزول هذه الآية الكريمة] [١] في مهاجرة الحبشة، الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة؛ ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله ، وجعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول، وأبو سلمة بن عبد الأسد، في جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة صدّيق وصدّيقة وأرضاهم، وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ قال ابن عباس والشعبي وقتادة: المدينة. وقيل: الرزق الطيب. قاله مجاهد.

ولا منافاة بين القولين؛ فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرًا منها [٢] في الدنيا، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه، و [٣] كذلك وقع، فإنهم مكن الله لهم في البلاد، وحكمهم على رقاب العباد، فصاروا أمراء حكامًا، وكل منهم للمتقين إمامًا، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أي: مما أعطناهم في الدنيا ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر [٤] الله لمن أطاعه واتبع رسوله، ولهذا قال هشيم: عن العوام، عمن حدثه: أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر [٥] لك في الآخرة أفضل، ثم قرأ [٦]، هذه الآية: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

ثم وصفهم تعالى فقال: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: صبروا على أقل من آذاهم من قومهم، متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)


[١]- في ت: "نزولها".
[٢]- في ز: "منه".
[٣]- سقط من: ز.
[٤]- في ز: "يقرأ".
[٥]- في ز: "دَخر".
[٦]- في ز: "يقرأ".