للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، ثم أماته الله [١] وهو الذي كان بني صرحا [٢] إلى السماء، الذي قال الله تعالى: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ (١٤).

وقال آخرون: بل هو بختنصر. وذكروا من المكر الذي حكى [٣] الله ها هنا كما قال في سورة إبراهيم ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾.

وقال آخرون: هذا من باب المثل لإبطال ما صنعه [٤] هؤلاء [٥] الذين كفروا بالله، وأشركوا في عبادته غيره، كما قال نوح ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ أي: احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة، وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة، كما يقول لهم [٦] أتباعهم يوم القيامة: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ الآية.

وقوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ أي: اجتثه من أصله وأبطل عملهم، وأصلها كقوله [٧] تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾.

وقوله: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيدِيهِمْ وَأَيدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.

وقال الله ها هنا: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ أي: يظهر فضائحهم، وما كانت تجنه ضمائرهم، فيجعله علانية، كقوله [٨] تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تظهر وتشتهر، كما في الصحيحين (١٥): عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "ينصب لكل غادر لواء يوم القامة عند استه بقدر غدرته [٩]، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان".


(١٤) - أخرجه ابن جرير (١٤/ ٩٧).
(١٥) - أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر، حديث (٣١٨٨) (٦/ ٢٨٣) وأطرافه في (٦١٧٧ - ٦١٧٨ - ٦٩٦٦ - ٧١١١). ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، حديث (١٧٣٧).