للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ﴾.

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ أي: عن عبادة الله، مع [١] إنكار قلوبهم لتوحيده، كما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، ولهذا قال ها هنا: ﴿لَا جَرَمَ﴾ أي: حقًّا ﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي: وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)

يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء المكذبين ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا﴾ معرضين عن الجواب ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي: لم ينزل شيئًا، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين، أي: مأخوذ من كتب المتقدمين، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أي: يفترون على الرسول، ويقولون أقوالًا متضادة مختلفة كلها باطلة، كما قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ، وكانوا يقولون ساحر وشاعر وكاهن ومجنون، ثم استقر أمرهم إلى ما اختلفه لهم شيخهم الوحيد [المسمى بالوليد] [٢] بن المغيرة المخزومي، لما ﴿فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَال إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أي: ينقل ويحكى، فتفرقوا عن قوله ورأيه قبحهم الله.

قال الله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ﴾ أي: إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك، ليتحملوا [٣] أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم، أي: يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم


[١]- سقط من: ز.
[٢]- في ز، خ: "ابن الوليد".
[٣]- في ز: "فيتحملوا".