للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث عن أَنس (٢٨٥): " لا يزداد الأمر إلَّا شدة، ولا يزداد الناس إلَّا شحًّا، وما هن عام إلَّا والذي بعده شر منه". سمعته من نبيكم، .

وقوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)﴾. هذا أيضًا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله، ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أي: تلفتوا ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ أي: تولوا عن الحق وانصرفوا عنه، وهذا حالهم في الدنيا [١]: لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه، كقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ أي: ما لهؤلاء القوم يتفللون عنك يمينًا وشمالًا، هروبًا من الحق وذهابًا إلى الباطل. وقوله: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾، كقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ أي: لا يفهمون عن الله خطابه ولا يقصدون لفهمه ولا يريدونه، بل هم في شغل [٢] عنه ونفور منه، فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه.


(٢٨٥) - هذا الحديث مركب من حديثين عن أَنس:
الأول:
رواه ابن ماجة في السنن، كتاب الفتن، باب: شدة الزمان برقم (٤٠٣٩)، والحاكم في المستدرك (٤/ ٤٤١) من طريق محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أَنس : "لا يزداد الأمر إلَّا شدة، ولا الدنيا إلَّا إدبارًا، ولا الناس إلَّا شحًّا، ولا تقوم الساعة إلَّا على شرار الناس، وما المهدي إلَّا عيسى ابن مريم".
ومحمد بن خالد الجندي؛ قال الحاكم: مجهول.
قال البوصيري في الزوائد: قال الحاكم في المستدرك بعد أن روى هذا المتن بهذا الإسناد: هذا حديث يُعد من أفراد الشَّافعي. وليس كذلك فقد حدَّث له غيره. ثم ذكر سند أبي يحيى بن السكن، عن محمد بن خالد الجندي به.
وقد بسط السيوطى القول فيه وخلاصته ما نُقل عن الحافظ ابن كثير [النهاية (١/ ٣٢)]: أنَّه قال: هذا حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصغاني المؤذن شيخ الشَّافعي، وروى عنه غير واحد أيضًا، وليس بمجهول كما زعمه الحاكم، بل رُوي عن ابن معين أنَّه وثقه. ولكن روى بعضهم عنه عن الحسن مرسلًا وذكر المزي في التهذيب: عن بعضهم أنَّه رأى الشَّافعي في المنام وهو يقول: كذب عليَّ يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي. قال ابن كثير: يونس بن عبد الأعلى الصدفي من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام اهـ.
وأما الثاني: فرواه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن برقم (٧٠٦٨) من طريق سفيان، عن الزبير بن عدي قال: أتينا أَنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي =