للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى عن الشعبي أنه قال: ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي تسعُمائة وثلاثة وثلاثون سنة (٢٧٤).

والمشهور هو القول [١] الأول، وهو أنها ستمائة سنة، ومنهم من يقول: ستمائة وعشرون سنة، ولا منافاة بينهما؛ فإن القائل الأول أراد ستمائة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية، وبين كل مائة [٢] سنة شمسية وبين القمرية نحوٌ من [٣] ثلاث [٤] سنين، ولهذا قال تعالى في قصة أهل الكهف: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ أي: قمرية لتكميل ثلاثمائة الشمسية التي كانت معلومة لأهل الكتاب، وكانت الفترة بين عيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل، وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "إن أولى الناس بابن مريم لأنا؛ لأنه لا نبي بينى وبينه" (٢٧٥) وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له: خالد بن سنان، كما حكاه القضاعي وغيره.

والمقصود أن الله بعث محمدًا على فترة من الرسل، وطموس من السبل، وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان. فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه اُمر عمم [٥]، فإن الفساد كان قد عم [٦] جميع البلاد، رالطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد، إلا قليلًا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين، من بعض أحبار اليهرد وعباد النصارى والصابئين، كما قال الإمام أحمد (٢٧٦):


(٢٧٤) - رواه ابن عساكر فى تاريخه (١٤/ ٣٠ - مخطوط) وذكره ابن منظور فى مختصر تاريخ دمشق (٢٠/ ٨٦).
(٢٧٥) - رواه البخارى في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا … ﴾ الحديث (٣٤٤٢)، ومسلم فى كتاب الفصائل، باب فضائل عيسى ، الحديث (١٤٤/ ٢٣٦٥) من طريق أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة. ورواه البخارى فى أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا … ﴾ الحديث (٣٤٤٣) من طريق عبد الرحمن بن أبى عمرة عن أبى هريرة به.
(٢٧٦) - رواه فى مسنده (٤/ ١٦٢) ورواه في (٤/ ١٦٢، ٢٦٦)، ومسلم فى كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار، الحديث (٢٨٦٥)، والنسائى فى الكبرى، كتاب فضائل القرآن، باب قراءة القرآن على كل الأحوال، الحديث (٨٠٧٠)،=