للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى مخبرًا وحاكمًا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم، وهو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه، أنه هو الله - تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرا.

ثم قال مخبرًا عن قدرته على الأشياء، وكونها تحت قهره وسلطانه: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ أي: لو أراد ذلك فمن ذا الذي كان يمنعه منه [١]؟ أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك؟

ثم قال: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ أي: جميع الموجودات ملكه وخلقه، وهو القادر على ما يشاء، لا يسأل عما يفعل؛ لقدرته وسلطانه وعدله وعظمته، وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة [٢] إلى يوم القيامة.

ثم قال تعالى ردًّا على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه، وهم بنوه، وله بهم عناية، وهو يحبنا، ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري، فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه. وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم، وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإِكرام، كما نقل النصارى من [٣] كتابهم؛ أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، يعني ربي وربكم، ومعلوم أنهم لم يدّعوا لأنفسهم من البنوة ما ادّعوها في عيسى وإنّما أرادوا من ذلك [٤] معزتهم لديه، وحظوتهم عنده، ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.

قال الله تعالى رادًّا عليهم: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ أي: لو كنتم [كما تدعون أبناؤه وأحباؤه، فلِمَ أعدَّ لكم نار جهنم] [٥] على كفركم وكذبكم وافترائكم؟ وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يرد عليه فتلا عليه الصوفي هذه الآية ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ وهذا الذي قاله حسن، وله يشاهد في المسند للإِمام أحمد حيث قال (٢٦٨):


(٢٦٨) - رواه فى المسند (٣/ ١٠٤)، ورواه أيضًا فى (٣/ ٢٣٥) من طريق محمد بن عبد الله الأنصارى قال: حدثنا حميد … فذكره بنحوه، ورواه أبو يعلى فى مسنده (٦/ ٣٩٧ - ٣٩٨) (٣٧٤٧ - ٣٧٤٩)، والحاكم (١/ ٥٨)، (٤/ ١٧٧) من طرق عن حميد به، وصححه الحاكم على شرط =