للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا روي عن ابن عبَّاس وسعيد بن جبير (٨٢٦) أنهما فسرا السوء هاهنا بالشرك أيضًا.

وقوله: ﴿وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ قال على بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس: إلا أن يتوب، فيتوب الله عليه. رواه ابن أبي حاتم (٨٢٧).

والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال لما تقدم من الأحاديث، وهذا اختيار ابن جرير والله أعلم.

وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾. لما ذكر الجزاء على السيئات، وأنه لابد أن يأخذ مستحقها من العبد، إما في الدنيا وهو الأجود له، وأما في الآخرة - والعياذ بالله من ذلك، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة، والصفح والعفو والمسامحة - شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده، ذكرانهم وإناثهم [١] بشرط الإِيمان، وأنَّه سيدخلهم الجنَّةَ ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير، وهو: النقرة التي في ظهر نواة التمرة، [وقد تقدم الكلام على الفتيل، وهو الخيط الذي في شق النواة، وهذا النقير وهما في نواة التمرة] [٢]، وكذا القطمير: وهو اللفافة التي على نواة التمرة، والثلاثة في القرآن.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أي: أخلص العمل لربه ﷿ فعمل إيمانًا واحتسابًا ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أي: متبعًا [٣] في عمله ما شرعه الله له، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما: أن [٤] يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون متابعًا [٥] للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد؛ فمن فقد الإِخلاص كان منافقًا، وهمَ الذين يراءون الناس. ومن فقد المتابعة كان ضالًا جاهلًا، ومتى جمعهما فهو [٦]، عمل المؤمنين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾، ولهذا قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ


= (٩/ ١٠٥١٣، ١٠٥١٤) من طريقين عن الحسن به.
(٨٢٦) - انظر تفسير ابن جرير (٩/ ص ٢٣٩)، وتفسير ابن أبي حاتم (٤/ ٥٩٩١).
(٨٢٧) - تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ٥٩٩٨) وكذا رواه ابن جرير (٩/ ١٠٥١٨).