للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجواب آخر: إذا كان غنيًا عن أعمالنا فهو غني عن معرفتنا له وقد أوجب علينا معرفته، فكذلك وجوب طاعته، فينبغي أن ننظر إلى أمره لا إلى الغرض بأمره.

الشُّبْهَةُ الثالثةُ: قالوا: قد ثَبَتَ سَعَةُ رحمةِ اللهِ ، وهيَ لا تعْجَزُ عنَّا، فلا وجْهَ لحِرمانِ نفوسِنا من مُرادِها.

والجواب كالجوابِ الأولِ؛ لأنَّ هذا القولَ يتضمَّنُ اطِّراحَ ما جاءَت بهِ الرُّسُلُ مِن الوعيدِ، وتهوينَ ما شدَّدَتْ في التحذيرِ منهُ وبالَغَتْ في ذكْرِ عقابِهِ.

وممَّا يكشفُ التلبيسَ في هذا أَنَّ الله ﷿ كما وصَفَ نفسَهُ بالرحمةِ وصَفَها بشدةِ العقابِ، ونحنُ نرى الأنبياءَ والأولياءَ يُبْتَلَوْنَ بالأمراضِ والجوعِ ويُؤاخَذونَ بالزَّلَلِ.

كيفَ وقد خافَهُ مَن قد قُطِعَ لهُ بالنجاةِ! فالخليلُ يقولُ يومَ القيامةِ: نفسي نفسي. والكليمُ يقولُ: نفسي نفسي (١). وهذا عُمَرُ يقولُ: الويلُ لعُمَرَ إِنْ لم يُغْفَرْ لهُ (٢).


= والثاني: قول الجمهور الذين يثبتون الحكمة وهؤلاء على أقوال: أشهرها قول المعتزلة الذين يثبتون حكمة تعود إلى العباد ولا تعود إلى الرب، وقول جمهور السلف الذين يثبتون حكمة تعود إلى الرب تعالى.
ويلاحظ أن من نفى الحكمة والتعليل -كالأشاعرة- دفعه ذلك إلى الميل إلى الجبر وإثبات الكسب والقدرة غير المؤثرة للعبد. ومن أثبت حكمة تعود إلى العباد، جعلوا هذه الحكمة لا تتم إلا بأن يكون العباد هم الخالقين لأفعالهم وهذا قول المعتزلة.
أما أهل السنة فلم يلزمهم لازم من هذه اللوازم الباطلة؛ ولذلك جاء مذهبهم وسطًا في باب القدر.
ولمعرفة المزيد في مسألة تعليل أفعال الله انظر: دقائق التفسير ٢/ ١٠٩ والدرء ٤/ ١٢ وبيان تلبيس الجهمية ١/ ٢١٤ ومنهاج السنة ١/ ١٤٢ والفتاوى ٨/ ٨٤ وشرح النونية ١/ ٦٦. وموقف شيخ الإسلام من الأشاعرة ٣/ ١٣١٠.
(١) وهذا في حديث الشفاعة المخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة في البخاري رقم (٣٣٤٠) و (٤٧١٢) ومسلم رقم (١٩٤).
(٢) تقدم تخريجه ص ٧٨٤.

<<  <   >  >>