للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: هذا إن صحَّ عنه فربَّما يكونُ الرَّاوي لَم يفهم؛ لأنه يُحتَمَل أن يكونَ قد ذكرَ تمجيدَ الحقِّ نفسَهُ، فقال فيه: "سبحاني" حكايةً عن اللهِ تعالى، لا عَن نفسِه.

وقد تأوَّلهُ الجنَيدُ بِشيءٍ إن لَم يرجِع إلى ما قُلتُه فليسَ بِشَيء: فأنبأنا ابنُ ناصر، قال: أنبأنا السهلكِي، قال: أنا محمدُ بنُ القاسِم الفارسِي، قال: سمعتُ الحسَنَ بن عليِّ بن يحيى المذكِّر يقول: سمعتُ جعفرَ الخلدِي يقول: قِيل للجُنَيدِ: إنَّ أبا يزيدَ يقول: سُبحاني سُبحاني أنا ربِّي الأعلى! فقال الجنَيد: إنَّ الرجُلَ مستهلِكٌ فِي شهودِ الجلالِ فَنَطَق بما استَهلَكَه، أذهَلَهُ الحقُّ عن رؤيتِهِ إيَّاهُ فلَم يشهَد إلا الحقَّ فَنَعَتَه (١).

قال المصنِّفُ: قلت: وهذا مِن الخُرافاتِ!

وقد أخبرنا محمدُ بن عبدِ الباقي بن أحمد، قال: أنبأنا الحسَن بن محمد بنِ الفضل الكرمانِي، قال: أنا سَهلُ بن عليٍّ الخشَّاب، وأنبأنا أبو الوقتِ عبدُ الأول، قال: أخبرَنا أحمد ابن أبي نصرٍ الكوفاني، قال: أنا الحسنُ بن محمد بن فورِي، قال: أنا عبدُ الله بن عليٍّ السَّراج، قال: سمعتُ أحمدَ بنَ سالِمٍ البصريَّ بالبصرةِ يقول في مجلسهِ يومًا: فرعونُ لَم يقُل ما قال أبو يزيد؛ لأنَّ فرعون قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، والربُّ يُسمَّى به المخلوقُ، يقال: ربُّ الدار، وقال أبو يزيد: سُبحانِي سُبحانِي! وسُبحانَ لا يجوز إلَّا لله. فقلتُ له: قد صحَّ عِندكَ هذا عن أبي يزيد؟ فقال: قد قال ذلك. فقلت: يُحتمل أن يكونَ لهِذا الكلامِ مقدِّماتٌ: يَحْكِي بأن الله يقول: سبحاني؛ لأنَّا لو سَمعنا رجُلًا يقول: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ [طه: ١٤] علِمنا أنه يقرأ (٢).


(١) أخرجه السهلكي في النور من كلمات أبي طيفور ص ٨٩ و ١٣٣. وانظر: تأويل الجنيد لها في اللمع ص ٤٦٨.
(٢) أخرجه الطوسي في اللمع ص ٤٧٢ بأطول مما ساق المؤلف، وبسط القول فيه. وقول أبي يزيد أخرجه السهلكي في النور من كلمات أبي طيفور ص ١٠١.

<<  <   >  >>