للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعروفُ بابن السَّرَّاج، قال: سمعتُ الوجيهي يقول: سمعتُ أبا عليّ الروذباريَّ يقول: كنَّا في البادية جماعةً، ومعَنا أبو الحسَن العطوفي (١)، فربَّما كانت تلحقنا القافِلة وتظلِمُ علينا الطَّريقُ، وكان أبو الحسَنِ يصعَد تلًا فيصِيحُ صِياحَ الذِّئابِ حتى تسمعَ كلابُ الحيِّ فينبَحُونَ فنمرُّ على بيويهم ويحمل إلينا مِن عِندِهم معونة (٢).

قال المصنِّفُ : قلت: وإنما ذكرتُ مثلَ هذهِ الأشياءَ لِيتَنَزَّهَ العاقِلُ في مبلغِ علمِ هؤلاءِ، وفهمِهِم للتوكُّلِ وغيرهِ، ويرى مخالفَتَهُم لأوامرِ الشرعِ (٣).

ولَيتَ شِعرِي! كيف يصنعُ مَن يَخرُجُ منهم ولا شَيءَ معهُ بالوضوءِ والصَّلاة؟! وإن تَخَرَّقَ ثوبُهُ ولا إبرةَ معهُ فكيف يفعلُ؟!

وقد كان بعضُ مشايخهِم يأمرُ المسافِرَ بأخذِ العدَّةِ قبلَ السَّفَر:

أخبرنا أبو منصورٍ القزَّاز، قال: أنا أبو بكرٍ الخطيبُ، قال: أنا أبو القاسِم عبدُ الكريم بن هوازِن القُشَيرِي، قال: سمعتُ أبا عبدُ الرَّحمن السُّلَمِي، يقول: سمعتُ أبا العبَّاسِ البغدادِيَّ، يقول: سمعت الفرغَانيَّ يقول: كانَ إبراهيمُ الخوَّاصَ مُجَردًا فِي التوكُّلِ يُدقِّقُ فيه، وكانَ لا تفارِقُهُ إبرَةٌ وخيوطٌ ورَكوةٌ ومقراضٌ (٤)، فقيل له: يا أبا إسحاق، لم تجمَع هذا وأنتَ تمنعُ من كلِّ شيءٍ؟! فقال: مثلُ هذا لا ينقضُ التوكُّل؛ لأنَّ لله تعالى علَينا فرائِض، والفقيرُ لا يكونُ عليهِ إلَّا ثوبٌ واحدٌ، فربما


(١) في (أ): العطوي. ولمثل هذا الاختلاف في النسخ اختلاف من ترجم له.
(٢) أخرجه الطوسي في اللمع ص ٢٧٤.
(٣) ولمزيد اطلاع على بعض أخبار الصوفية التي زعموا أنها من التوكل انظر: الرسالة القشيرية ص ١٦٢ والتعرُّف لمذهب أهل التصوف ص ١٧٧ والمقدمة في التصوف وحقيقته ص ٤٨٧ - ٤٩٠ ضمن مجموعة مؤلفات أبي عبد الرحمن السُلمي والإحياء ٤/ ٧٤ وعوارف المعارف ص ٤٥٠.
(٤) الرَّكْوَةُ والرِّكْوة: إِناءٌ صغير من جِلْدٍ للماء والجمع رِكَاءٌ ورَكَوات. انظر: مختار الصحاح ص ١٠٧ واللسان ١٤/ ٣٣٣.

<<  <   >  >>