للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«التضاد»!!.

فانظر هذا التلاعب؛ وتدبَّر هذه الأبوابَ التي فتحوها على أدلةِ الكتاب والسنة، وقَبِلها عنهم مَنْ لم يُمعِنِ النظرَ ويُطِلِ التدبر، فجعلها عِلمًا، وقَبِلها على كتاب اللَّهِ وسُنةِ رسولِه ! وأصلُها دعوى افتراها على أهل اللغة متعصِّبٌ قد آثر مذهبَه على الكتاب والسُّنة، لم يستطع التصريحَ بترجيح المذهبِ على الدليل، فدقَّق الفكر، وأعمَلَ النظر، عنادًا للَّهِ تعالى، وبغيًا على شريعته، وخِداعًا لعباده؛ فقال: «هذا الدليل وإن كان معناه الحقيقيُّ يخالفُ ما نذهب إليه فهو هاهنا مجاز، والعلاقةُ كذا، والقرينةُ كذا»!! ولا علاقةَ ولا قرينة! فيأتي بعدَ عصرِ هذا المتعصِّبِ مَنْ لا يبحث عن المقاصد، ولا يتدبرُ المسالكَ كما ينبغي، فيجعلُ تلك العلاقةَ التي افتراها ذلك المتعصِّبُ مِنْ جُملةِ العلائق المسوِّغةِ للتجوُّز، ولهذا صارت العلاقاتُ قريبًا من ثلاثين علاقة! ثم لما كان من جُملةِ أنواع القرائن: القرائنُ العرفيةُ والعقلية، افترى كلُّ متعصِّبٍ على العقل والعُرف ما شاء، وصَنَع في مواطن الخلاف ما أراد. واللَّه المستعان.

[الحَذَرُ من الحِيَلِ المخالفةِ للشريعةِ المطهَّرة]:

ومِن جُملةِ ما يستعينُ به [المُنصِفُ] على الحق، ويأمنُ معه مِنْ الدخول في الباطل وهو لا يشعر: أن يقرِّر عند نفسه أن هذه الشريعةَ لمَّا كانت مِنْ عند عالِمِ الغيب والشهادة، الذي لا يُغادِرُ (١) صغيرةً ولا كبيرةً إلَّا أحصاها، ويعلمُ ما تُكِنُّ الصدورُ وتُخفيه الضمائر، ويحُولُ بين المرء وقلبه (٢)؛ كانت


(١) يُغادر: يترك.
(٢) هذه الجملةُ لها عدةُ معانٍ:
الأول: يحول بين الكافر وبين الإيمان إذا لم يقدِّره تعالى له عدلًا؛ وكذا يحول بين المؤمن وبين الكفر إذا لم يقدِّرْه عليه فضلًا.
الثاني: يحولُ بين المرء وعقله حتى لا يدري ما يصنع.
الثالث: يحول بينه وبين الموت فلا يمكنُه استدراكُ ما فات.
الرابع: يُبدِّلُ المؤمنين بعد خوفهم من عدوِّهم أمنًا، ويبدل الكافرين بعد أمنهم خوفًا.
الخامس: يقلِّبُ الأمور من حال إلى حال. وهذا قولٌ جامع.
انظر: «تفسير القرطبي» (٩/ ٤٨٤ - ٤٨٥)، و «تفسير ابن كثير» (٧/ ٤٧).

<<  <   >  >>