للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أهميةُ التعرُّفِ على القواعدِ العامَّةِ للشريعة]:

ومما يستعينُ به طالبُ الحق ومريدُ الإنصاف على ما يريدُه من ربط المسائل بالدلائل، والخروجِ من آراء الرجال المتلاعبةِ بأهلها من امينٍ إلى شمال: أن يتدبَّر الدلائلَ العامة، ويتفكَّرَ فيما يندرجُ تحتها من المسائل بوجهٍ من وجوهِ الدلالة المعتبرة؛ فإنه إذا تمرَّن على ذلك وتدرَّب، صار مستحضِرًا لدليلِ كلِّ ما يُسأل عنه من الأحكام الشرعية كائنًا ما كان، وعَرَف معنى قوله ﷿: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨].

ومن أمعَنَ النظر فيما وقع منه مِنْ استخراج الأحكام الشرعية من كتاب اللَّه تعالى، زاده ذلك بصيرةً؛ كما ثبت عنه أنه لمَّا سُئل عن الحُمُر الأهلية، فقال: «لم أَجِدْ إلَّا هذه الآيةَ الفاذَّة (١): ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)[الزلزلة] (٢)» (٣)؛


(١) قال الحافظ ابن حجر : «سمَّاها «فاذَّةً» لانفرادها في معناها».
(٢) قال الحافظ ابن حجر : «قال ابن التين: المراد أن الآية دلَّت على أنَّ مَنْ عمل في اقتناءِ الحمير طاعةً رأى ثوابَ ذلك، وإن عَمِل معصيةً رأى عقاب ذلك. قال ابن بطال: فيه تعليمُ الاستنباط والقياس؛ لأنه شبَّه ما لم يَذكُرِ اللَّهُ حكمَه في كتابه وهو الحُمُر بما ذكره مَنْ عَمِل مثقالَ ذرةٍ من خيرٍ أو شر؛ إذ كان معناهما واحدًا. قال: وهذا نفسُ القياس الذي ينكره مَنْ لا فهم عنده. وتعقَّبه ابن المنيِّر بأن هذا ليس من القياس في شيء؛ وإنما هو استدلالٌ بالعموم، وإثباتٌ لصيغته؛ خلافًا لمن أنكر أو وقف، وفيه تحقيقٌ لإثبات العمل بظواهر العموم، وأنها ملزِمةٌ حتى يدلَّ دليلٌ [على] التخصيص، وفيه إشارةٌ إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص، والعام الظاهر، وأن الظاهر دون المنصوص في الدلالة». «فتح الباري» (٦/ ٦٥).
(٣) صحيح: رواه أحمد (٢/ ٣٨٣)، والبخاري (٢٢٤٢)، ومسلم (٩٨٧)، والنسائي (٣٥٦٣).

<<  <   >  >>