للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلُّ وسيلة: فبعدَ هذا كلِّه قد قام بما أَوجب اللَّهُ عليه، وأراد ما طلبه اللَّهُ منه من الهداية، ووفَّى بما أَخذ عليه من العهد، وامتَثل ما ألزمه به من البيان، وصار بذلك من العلماءِ العاملين القائِمِين بنَشر حُجج اللَّه، وإبلاغ شرائعه. وهذا فرضُه ليس عليه غيرُه، ولا يجبُ ما سواه؛ فهو لم يكتم ما علَّمه اللَّه، ولا خان عهدَ اللَّه، ولا خالَف أمره، ولا اشترى به ثمنًا قليلًا، ولا باعه بعرَضٍ من أعراض الدنيا؛ فله أجرُ مَنْ مكَّنه اللَّهُ من ذلك وخلَّى بينه وبينه؛ لأنه قد قام في المقام الذي افترضه اللَّهُ عليه، وسَلَك الطريقةَ التي أمَره بسلوكها، فحال بينه وبينه مَنْ لا يُطيقُ دَفْعَه، ولا يقدِر على مناهضته (١)، فكان ذلك قائمًا بعُذره، مُسقِطًا لفرضه، مُوجبًا لاستحقاقه لثواب ما قد عزم عليه، وأجرِ ما أراده.

فأيُّ غنيمةٍ أجلُّ مِنْ غنيمته، ونعمةٍ أكبرُ من نعمته؟ وأين منزلتُه عند اللَّهِ مِنْ منزلةِ مَنْ فتح اللَّهُ عليه مِنْ أبواب معارفهِ ولطائفِ شريعته بما يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، ويَعرفُ به صوابَ القولِ من خطئِه، فكَتَم الحُجة، وآثر على نشرها ما يرجُوه من استدرارِ خُلْفٍ (٢) من أخلافِ الدنيا، ونَيلِ جاهٍ من الجاهات، ورئاسةٍ من الرئاسات، ومَعيشةٍ من المعائش، فمَضى عمرُه وانقضت حياتُه كاتمًا للحُجة، مخالفًا لأمر اللَّه، نابذًا لعهده، طارحًا لما أخذه عليه!.

• وأما الجوابُ الْمُفصَّل:

فاعلم أنى لم أُرِد بما أرشدتُ إليه في هذا الكتاب ما خَطَر ببالك ولا لومَ


(١) مناهضته: مقاومته.
(٢) استدرار خُلف: استجلاب متاع رخيص.

<<  <   >  >>