للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من البيِّنات والهدى، ويُبالغوا في إرشادِ العباد إلى الإنصاف، ويحبِّبوا إلى قلوبهم العملَ بالكتابِ والسُّنة، ويُنفِّرُوهم من اتباعِ مَحضِ الرأي وزائفِ المقال وكاسدِ الاجتهاد. ولا يمنعُهم من ذلك ما يُخيِّلُه لهم الشيطانُ ويسوِّلُه مَنْ أن هذا التصنيفَ لا يَنفُقُ عند المقلِّدة، أو يكونُ سببًا لجلب فتنةٍ، أو نزولِ مضرَّةٍ، أو ذهابِ جاهٍ أو مالٍ أو رئاسة؛ فإنَّ اللَّهَ ناصرٌ دينه، ومتمِّمٌ نورَه، وحافظٌ شرعَه، ومؤيِّدٌ مَنْ يؤيده، وجاعلٌ لأهل الحق ودعاةِ الشرع والقائمين بالحُجة سلطانًا وأنصارًا وأتباعًا، وإن كانوا في أرضٍ قد انغمس أهلُها في مَوجات البدع، وتسكَّعوا (١) في متراكَم الضلال، وقد قدمنا الإرشادَ إلى شيءٍ من هذا.

[استفسارٌ وجوابه]:

فإن قلت: هؤلاء المتعصبةُ قد طبَّقوا جميعَ أقطارِ الأرض الإسلامية، وصارت المدارسُ والفتاوي (٢) والقضاءُ وجميعُ الأعمال الدينية بأيديهم، فإنَّ كل مملكةٍ من الممالك الإسلامية يَعتزي (٣) أهلُها إلى مذهبٍ من المذاهب، ونِحلةٍ من النِّحل، وكلُّ بلدٍ من البلادِ وقُطرٍ من الأقطار كثُرت أو قلَّت لابد أن يكون أهلُها مقلِّدين لميِّتٍ من الأموات، يأخذون عنه ما يجِدون في مؤلَّفاته ومؤلَّفاتِ أتباعه المقلِّدين له، حتى صارت مسائلُ مذهبهم نُصبَ


(١) تسكَّعوا: تمادوا في باطلهم. وفي بعض المطبوعات: تكسَّعوا بتقديم الكاف، أي: تسارَعوا. والكَسْعُ: سرعةُ المَرِّ. وكلاهما وجيهٌ، واللَّهُ تعالى أعلم.
(٢) الأفصح أن يقال: «فتاوِي» بالياء، لا «فتاوَى» بالألف، مع جواز الأخيرة أيضًا، وإنما فُتحت للتخفيف. انظر: «الفُتيا المعاصرة»، للشيخ خالد المُزيِّني (١٣ ط: دار ابن الجوزي الدمام).
(٣) يَعتزي: ينتسب.

<<  <   >  >>