للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد شاهدنا من هذا الجنس ما يُقضى منه العجب؛ فإن بعضَ مَنْ يسلكُ هذا المسلك قد يجاوزُ ذلك إلى الحَلِفِ بالأيمانِ على حقيقة ما قالَهُ وصوابِ ما ذهب إليه! وكثيرٌ منهم يعترف بعد أن تَذهَبَ عنه سَورةُ (١) الغضب، وتزول عنه نَزوةُ (٢) الشيطان، بأنه فعل ذلك تعمُّدًا؛ مع علمه بأن الذي قاله غيرُ صواب! وقد وقع مع جماعةٍ من السلف من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر، وصار ذلك مذاهبَ تُروى، وأقوالًا تُحكى كما يعرف ذلك مَنْ يعرف.

[السبب الرابع لتَرك الإنصاف: التعصُّب للقرابة]:

ومن الأسباب المقتضيةِ للتعصب: أن يكون بعضُ سلفِ المشتغِل بالعلم قد قال بقولٍ، ومال إلى رأيٍ؛ فيأتي هذا الذي جاء بعده، فيحملُه حبُّ القرابة على الذهاب إلى ذلك المَذهب، والقولِ بذلك القول وإن كان يعلم أنه خطأ، وأقلُّ الأحوال إذا لم يذهبْ إليه أن يقول فيه: «إنه صحيح»! ويتطلَّبُ له الحُجج، ويبحثُ عما يقوِّيه وإن كان بمكانٍ من الضَّعف، ومحلٍّ من السقوط!!.

وليس له في هذا حظٌّ ولا معه فائدةٌ، إلَّا مجردُ المباهاةِ لمن يعرفُه، والتزينُ لأصحابه بأنه في العلم مُعْرِق (٣)، وأن بيته قديمٌ فيه! ولهذا ترى كثيرًا منهم يستكثرُ مِنْ: «قال جدُّنا»، و «قال والدنا»، و «اختار كذا، صَنع كذا، فعل كذا»! وهذا لا شكَّ أن الطباع البشريةَ تميلُ إليه ولا سيَّما طبائعُ العرب؛ فإن


(١) السَّورة: الشدَّة.
(٢) النزوة: الدفعة.
(٣) مُعرِق: له أعراق وأصول.

<<  <   >  >>