للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالجدال الباطل، والمِراء القاتل.

[من مذكِّرات الْمُصنِّفِ -]:

وإني لأذكُرُ أيامَ اشتغال الطلبة بالدرْس عليَّ في كثيرٍ من العلوم، وكنتُ أُجيب عن مسائلَ تَرِدُ إليَّ يحرِّرُها الطلبةُ ويحرِّرُها غيرُهم من أهل العلم من أمكنةٍ قريبةٍ وبعيدة؛ فكان يتعصَّبُ على تلك الأجوبةِ جماعةٌ من المشارِكين لي في تدريس الطلبة في علوم الاجتهادِ وغيرها، وقد يسلُكون مسلكًا غيرَ هذا، فيقعُ منهم الإيهامُ على العوامِّ بمُخالفةِ ذلك الكلامِ لما يقولُه مَنْ يعتقدون قولَه منَ الأموات! فينشأ عن ذلك فتنٌ عظيمة، وحوادثُ جسيمة.

وكان بعضُ نُبلائهم يكتبُ على بعضِ ما أكتبُه (١)، ثم يُهديه إلى السائل وإن كان في بلدٍ بعيد، من دون أن يقصده بسؤالٍ، ولا طلبٍ منه تعقُّبَ ما أجبتُ به من المقال، وقد أقفُ على شيءٍ من ذلك، فأجده في غايةٍ من الاعتساف، فأتعقَّبُه تعقُّبًا فيه كَشفُ عَوَارِه، وإيضاحُ بَوَاره (٢).

وقد ينضمُّ إلى ذلك ذِكرُ كلمات، والاستشهادُ بأبياتٍ اقتضاها الشبابُ والنشاطُ واشتعالُ الغضب؛ لما أراه منَ التعصُّب والمنافسة على ما ليس لي فيه اختيار؛ فإنَّ ورودَ سؤالاتِ السائلين إليَّ من العامةِ والخاصة، وانثيال (٣) المُستفتِين من كل جهةٍ لم يكن بسَعْيٍ منِّي ولا احتيال، وكذلك اجتماعُ نُبلاء


(١) أي: يضيف إلى كلام المصنف وفتاويه من قِبَلِ نفسه دون إذن المصنف! وهذا المسلكُ من أقبح مسالكِ طلبة العلم.
(٢) البَوار: الفساد.
(٣) انثيال: تتابع.

<<  <   >  >>