للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُرشدي المسلمين، ثم ترغيبُهم بما وعد اللَّهُ به، وإخبارُهم بما يستحقُّه مَنْ فعل كفعلهم مِنْ الجزاء والأجر، ثم يجعلُ لهم من القدوةِ بأفعاله مثلَما يجعله لهم من القدوة بأقواله أو زيادة؛ فإن النفوس إلى الاقتداء بالفَعَّال أسرعُ منها إلى الاقتداء بالقوَّال (١).

* [مِحنةُ الأمَّة في أنصافِ المُتعلِّمين]:

والعقبةُ الكؤود (٢)، والطريقُ المستوعِرة (٣)، والخطبُ الجليل، والعِبءُ الثقيل: إرشادُ طبقةٍ متوسطةٍ بين طبقة العامة والخاصة، وهم قوم قلَّدوا الرجال، وتلقَّوا علم الرأي ومارسوه، حتى ظنُّوا أنهم بذلك قد فارقوا طبقةَ العامة وتميَّزوا عنهم! وهم لم يتميزوا في الحقيقة عنهم، ولا فارقوهم إلا بكون جهلِ العامة بسيطًا، وجهلِ هؤلاء جهلًا مركَّبًا (٤).

وأشدُّ هؤلاء تغييرًا لفطرته وتكديرًا لخِلْقتِه: أكثرُهم ممارسةً لعلم الرأي، وأثبتُهم تمسُّكًا بالتقليد، وأعظمُهم حرصًا عليه؛ فإن الدواء قد ينجعُ في أحد


(١) وقد ورد هذا المعنى عن عثمان حين قال: «أنتم إلى إمامٍ فعَّال أحوجُ منكم إلى إمامٍ قَوَّال». «تفسير القرطبي» (آخر سورة الجمعة). وقال الخليفة المأمون: «نحن إلى أن نوعَظ بالأعمال، أحوجُ منَّا إلى أن نوعظ بالأقوال». «بهجة المجالس» (٣/ ٣٤٤).
(٢) الكؤود: الصعبة العسيرة.
(٣) المستوعِرة: غير الممهدة.
(٤) الجهل المركَّب: هو أن يَضِلَّ الإنسان، ويَرى أنه على هُدًى! بينما الجهل البسيط: أن يَضِلَّ العبد ويَغوَى، ويعلم أنه ضالٌّ عاصٍ. والصنفُ الأول أشرُّ من الصنف الثاني؛ إذ مَنْ يرى أن ضلاله هُدًى، وظُلماتِهِ نورًا، فأنى يُقلع، ومتى يرجع؟! وفي أصحاب الجهل المركَّب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «أكثرُ ما يُفسدُ الدنيا نصفُ مُتَكلِّم، ونصفُ متفقِّه، ونصفُ متطبِّب، ونصفُ نَحْوي! هذا يُفسد الأديان، وهذا يفسدُ البلدان، وهذا يفسدُ الأبدان، وهذا يفسد اللِّسان». «العقود الدرية»، للحافظ ابن عبد الهادي (ص ١٠٩).

<<  <   >  >>