للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اشتمل الكتابُ والسُّنةُ على ما كان يقعُ من الأنبياء صلواتُ اللَّه عليهم وسلامه مِنْ تدبير أُمَمِهِم، والرِّفقِ بهم، واغتنامِ الفُرص في إرشادهم، وإلقاءِ ما يحدُو بهم إلى الحقِّ في الوقت بعد الوقت والحالةِ بعد الحالة، على حسب ما تقبلُه عقولُهم، وتحتملُه طبائعهم، وتفهمُه أذهانُهم (١).

[كيفية تعامُلِ العالِم مع طبقات الناس]:

فالعالِمُ الذي أعطاه اللَّهُ الأمانة، وحَمَّله الحُجة، وأخذ عليه البيان، يُورد الكلامَ مع كل أحدٍ على حسب ما يقبلُه عقلُه، وبقدر استعداده.

(١) فإن كان كلامُه مع أهل العلم الذين يَفهمون الحُجة، ويَعقِلون البرهان، ويَعلمون أن اللَّهَ سبحانه لم يتعبد عبادَه إلَّا بما أنزله في كتابه، وعلى لسان رسوله ، وحالَ بينهم وبين الالتفات إلى ذلك، والرجوعِ إليه والعملِ عليه: ما تكدَّرت به فِطَرُهم، وتشوَّشت عنده أفهامُهم، من اعتقادِ أحقيةِ التقليد، أو استعظامِ الأمواتِ من أهل العلم، أو استقصارِ أنفسِهم عن معرفةِ الحق بنص الدليل: فعليه (٢) أن يَعتمد معهم تسهيلَ ما تعاظَموه من الوقوف على الحق قائلًا: إن اللَّه تعبَّد جميعَ هذه الأمةِ بما في الكتاب والسُّنة، ولم يخُصَّ بفَهم ذلك مَنْ كان مِنْ السلف دون مَنْ تَبِعهم من الخلَف، ولا قصُر فضلُه بما شرعه لجميع عباده على أهل عصرٍ دون عصر، أو أهلِ قُطرٍ دون قُطر، أو أهلِ بطنٍ دون بطن؛ فالفَهمُ الذي خَلَقه للسلف خَلَق مِثلَه للخلف،


(١) وهذا لابد أن يفقهه كلُّ داعيةٍ يريد إرشادَ الناس لطريق ربِّه؛ وعليه بدراسةِ منهج الأنبياء في دعوةِ أُممِهم دراسةً جيدةً حتى تسير دعوتُه على هدًى وبصيرة، وتقلَّ الخسائرُ التي يجنيها من لم يدرس ذلكم المنهاج الطاهر في الدعوة إلى اللَّه ﷿.
(٢) هذا جواب الشرط في قوله: «فإن كان كلامه مع أهل العلم … » أول الفقرة.

<<  <   >  >>