• [السبب الثاني عشر لتَرْكِ الإنصاف: التباسُ الرأي الشخصي بعلومِ الاجتهاد]:
ومِن أسباب التعصبِ الحائلةِ بين من أُصيب بها وبين التمسُّك بالإنصاف: التباسُ ما هو من الرأي البحت بشيءٍ من العلوم التي هي موادُّ الاجتهاد.
وكثيرًا ما يقع ذلك في «أصول الفقه»؛ فإنه قد اختلط فيها المعروفُ بالمنكر، والصحيحُ بالفاسد، والجيدُ بالرديء؛ فربما يتكلمُ أهل هذا العلم على مسائلَ من مسائلِ الرأي، ويحرِّرُونها، ويقرِّرُونها، وليست منه في شيء، ولا تعلُّقَ لها به بوجهٍ.
فيأتي الطالبُ لهذا العلم إلى تلك المسائل، فيعتقدُ أنها منه، فيَرُدُّ إليها المسائلَ الفُروعية، ويرجعُ إليها عند تعارض الأدلة، ويعملُ بها في كثيرٍ منَ المباحث؛ زاعمًا أنها من أصول الفقه، ذاهلًا عن كونها من علم الرأي.
ولو علم بذلك لم يقعْ فيه ولا رَكَن إليه؛ فيكونُ هذا وأمثالُه قد وقعوا في التعصب، وفارقوا مسلكَ الإنصاف، ورجَعوا إلى علم الرأي وهم لا يشعُرون بشيءٍ من ذلك، ولا يَفطِنون به، بل يَعتقِدون أنهم متشبِّثون بالحق، متمسِّكون بالدليل، واقِفون على الإنصاف، خارجون عن التعصب! وقلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنْ هذه الدقيقة، وينجُو من غُبار هذه الأعاصير؛ بل هم أقلُّ من القليل!.
وما أخطرَ ذلك، وأعظمَ ضررَه، وأشدَّ تأثيرَه، وأكثرَ وقوعَه، وأسرعَ نَفَاقَه