للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سكونَ تلك الفتنةِ التي غَلَت مَراجِلُها (١)، وكادت تعمُّ جميعَ أهلِ صنعاء، ثم تَسري بعد ذلك إلى سائرِ الديار اليمنية.

وأما العامة؛ فلا يتَّسعُ المَقامُ لسَرد ما شُوهد منهم من الصَّولةِ والجَولة، والاشتغالِ بِهذا الأمر، ولقد كنتُ أرى كثيرًا من المنسوبين إلى العلم يبكُون رحْمةً لإخوانهم المثيرِين للفتنة لِمَا حلَّ بهم من العقوبة.

[تألُّمُ الْمُصنِّفِ على حال صنعاء]:

ولقد تغيَّرتْ بَهجةُ هذه المدينةِ العظيمة، وتكدَّرت مشاربُها العِلمية، وذهب رونقُ معارفِها بما يصنعه جماعةُ المقصرين المغيِّرين لفطرتِهم السليمة؛ بما حدث من عِلم الروافضِ ودسائسِهم التي هي أضرُّ على المقصِّرين من السُّمِّ القتَّال، وأدوى (٢) على مَنْ لم تستحكم معرفتُه وتَرسَخْ في العلوم قَدمُه من الداء العُضال (٣)؛ على كثرةِ مَنْ فيها من العُلماء المنصِفين، والطلبةِ المتميِّزين، والأذكياءِ الماهرين؛ فإنه قلَّ أن يوجدَ بمدينةٍ من المدائن ما يوجدُ الآن في صنعاءَ من رجوعِ أهلِ العلم بها إلى ما صحَّ عن الشارع، وعدمِ تعويلِهم على الرأي، وطرْحِهم للمذاهب عند قيامِ الدليل الناهض؛ فإن هذه مَزِيَّةٌ وفضيلةٌ لا تكاد تُعرف في سائر الأقطار؛ إلَّا في الفردِ الشاذِّ البالغ مِنْ العلم إلى منزلةٍ عَلِيَّة، مع مراجعتِه لفطرته، وتفكُّره في طروءِ ما طرأ من المتغيِّرات، وتدبُّرِه لما قدمنا ذكرَه من الأسباب الموجبةِ للتعصُّب، الحائلةِ بين المُتمذهِبِين وبين الإنصاف.


(١) المراجل: القدور.
(٢) أدوى: أشد ضررًا.
(٣) العضال: الشديد.

<<  <   >  >>