• [لِماذا يكتمُ العالِم الْمجتهد الحقَّ الذي عرفه؟]:
وهذا النادرُ الشاذُّ يُبالِغُ في الكتم، ويستكثرُ من المجانبة لِمَا يظنُّه الحق، مخافةً مِنْ وثوب المقلِّدة عليهِ وهَتكِهم له؛ لأنهم لا يَقنَعون من العالِم وإن كان في أعلى درجاتِ الاجتهاد إلَّا بأن يكون مِثلَهم مقلِّدًا بحتًا مقتديًا بالعالِم الذي يقلِّدونه هم وأسلافُهم وإن كان هذا العالِمُ الذي يُريدون منه ذلك أعلى رتبةً وأجلَّ قدْرًا وأكثرَ علمًا من عالِمهم الذي يقلِّدونه، كما يجدُه مَنْ له اطلاعٌ على كثيرٍ من أحوال الناس؛ فإنَّ في علماء المذاهب الأربعة مَنْ هو أوسعُ علمًا، وأعلى قدرًا من إمامه الذي ينتمي إليه ويقفُ عند رأيه، ويقتدي بما قاله في عبادته ومعاملته وفي فتاويهِ وقضائه، ويَسري ذلك إلى مصنَّفاته، فيُرجِّحُ فيها ما يرجِّحه إمامُه وإن كان دليلُه ضعيفًا أو موضوعًا، أو لا دليل بيده أصلًا؛ بل مجرد محض الرأي، ويدفعُ من الأدلة المخالِفةِ له ما هو أوضحُ من شمس النهار؛ تارةً بالتأويل المتعسِّف، وحينًا بالزُّور الملفَّق، مع كونه بمكانٍ من العلم لا يَخفَى عنده الصواب، ولا يلتبسُ معه الحق، ولكنه يفعلُ ذلك مخافةً على نفسه من تلك الطبقةِ المشؤومة، أو تأثُّرًا بما قد ظَفِر به من الدنيا والجاه الذي لا يستمرُّ له إلا بالموافقةِ لهم والسلوكِ فيما يُرضيهم. وقد يحملُه على ذلك الحرصُ على نَفَاقِ مصنَّفِه بينهم، واشتهارِه عندهم، وتداوُلهم له.
• [عاقبةُ كتمِ الحقِّ في الدنيا والآخرة]:
وما كان أغناهُ عن هذه البليَّةِ التي وقع فيها، والجنايةِ التي جناها على نفسه في العاجلة والآجلة!.
أما في الآجِلة فظاهر؛ فإن اشتغالَه بذلك التصنيفِ المشتمِلِ على تأثير