للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ضرورةُ فَهمِ الحقائقِ الشرعيَّة من الْمُسمَّيات]:

ومن جُملة ما ينبغي له استحضارُه: ألَّا يَغترَّ بمجرد الاسم دون النظر في معاني المسمياتِ وحقائقِها، فقد يُسمَّى الشيءُ باسمٍ شرعي، وهو ليس من الشرع في شيء، بل هو طاغوتٌ بحتٌ، وذلك كما يقعُ مِنْ بعض مَنْ نَزَعه عِرقٌ (١) إلى ما كانت عليه الجاهليةُ من عدم توريثِ الإناث، فإنهم يُخرِجون أموالَهم أو أكثرَها أو أحسَنَها إلى الذكور مِنْ أولادهم بصورة الهِبةِ والنَّذْرِ والوصيةِ أو الوقف؛ فيأتي مَنْ لا يبحثُ عن الحقائق؛ فيُنزِّلُ ذلك منزلةَ التصرفات الشرعية؛ اغترارًا منه بأن الشارعَ سوَّغ للناسِ الهِبَةَ والنذرَ والوصية؛ غيرَ مُلتفِتٍ إلى أن هذا لم يكنْ له من ذلك إلا مجردُ الاسم الذي أحدَثه فاعلُه، ولا اعتبار بالأسماء؛ بل الاعتبارُ بالمسمَّيات، فالهبةُ الشرعية هي التي أرشد إليها النبيُّ لمَّا سأله بَشير والد النُّعمان عن تخصيصِ ولدِه النعمانِ بشيءٍ من ماله، وطَلَب منه أن يَشهد على ذلك، فقال: «لا أَشْهَدُ على جَور»، ووقع منه الأمرُ بالتسوية بين الأولاد، وهو حديثٌ صحيح، له طرق متعددة (٢).

فالهبةُ المشتملةُ على التفضيل المخالفِ لفرائض اللَّهِ ليست بِهبةٍ شرعية؛ بل هي جَورٌ مضادٌّ لِما شَرعه اللَّه، فإطلاقُ اسم «الهبة» عليها مخادَعةٌ للَّه ولعباده؛ فلا يَنفُذُ من ذلك شيء، بل هو باطلٌ رَدٌّ (٣)، لكونه ليس على أمر


(١) أي: جَذَبه ميلٌ.
(٢) صحيح: رواه أحمد (٤/ ٢٦٨)، والبخاري (٢٥٠٨)، ومسلم (١٦٢٣)، وأبو داود (٣٥٤٣)، والنسائي (٣٦٨١). وانظر طرقه في «تحقيق مسند الإمام أحمد» (٣٠/ ٣٠١ ط: الرسالة).
(٣) أي: مردود.

<<  <   >  >>