للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَنتفع بالعلم، ويهتدي بما عَرف منه، فكيف يهتدي به غيرُه، أو يتوصَّلُ بما جَمَعه إلى ما هو الحقُّ؟! فالمُصابُ بالعمى لا يقودُ العُمْيَ، فإنْ فَعل كانت ظلماتٍ بعضُها فوق بعض، والمريضُ لا يُداوي مَنْ هو مصابٌ بمثل مرضه، ولو كان صادقًا فيما يزعمُه من اقتدارِه على المداواة، كانت نفسُه التي بين جَنبيه أحقَّ بذاك منه.

• [السببُ العاشر لتَرْكِ الإنصاف: تقليد الْمتعصِّبة في باب: «الجرح والتعديل»]:

ومِن جُملةِ الأسباب المانعة من الإنصاف: التقليدُ في عِلم «الجرح والتعديل» لمن فيه عصبيةٌ من المصنِّفين فيه كما يجدُه اللبيبُ كثيرًا؛ فإنه إذا تصدَّى لذلك بعضُ المصابين بالتقليد، كان العدلُ عنده مَنْ يوافقُه في مذهبه الذي يعتقدُه، والمجروحُ من خالفه كائنًا من كان! ومَن خَفِي عليه [هذا]، فلْينظر ما في مصنَّفات الحُفَّاظ بعد انتشار المذاهب وتقيُّدِ الناس بها، وكذلك ما في كتب المؤرخين؛ فإنَّ الموافقة في المذهب حاملةٌ على تَركِ التعرُّضِ لموجِباتِ الجرح، وكتمِ الأسباب المقتضيةِ لذلك (١)؛ فإن وقع التعرُّضُ لشيءٍ منها نادرًا أكثَرَ المصنِّفُ من التأويلاتِ والمرواغات والتعسُّفات الموجبةِ لدفعِ كونِ ذلك الخارج خارجًا! وإنْ كان الكلامُ على أحوال المخالفين، كان الأمرُ بالعكس من ذلك، فالفضائلُ مغموطة، والرذائلُ منشورة؛ من غير تأويلٍ ولا إحسانِ ظنٍّ.

وبالجملة: فالاهتمامُ في المُوافِق بذِكر المناقب دونَ المثالب (٢)، وفي


(١) أي: ما دام المترجَم له يوافق المترجِمَ في مذهبِهِ، فعادةً ما يحاول المترجِمُ سَترَ ما يوجب جرح المترجَم له وسقوطَ منزلتِه عند أهل العلم.
(٢) المثالب: المطاعن والمعايب.

<<  <   >  >>