للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الرابع مباحثُ قيمةٌ تُنيرُ الطريقَ لطالبِ العلم

وإذ قد عرفتَ ما ينبغي لكل طبقةٍ من تلك الطبقات من المعارف العِلمية، فلْنكمِّلْ لك الفائدةَ بذِكر مباحثَ يَنتفع بها طالبُ الحق، ومريدُ الإنصاف انتفاعًا عامًّا، ويرتقي بها إلى مكانٍ يَستغني به عن كثيرٍ من الجزئيات.

[بناءُ الشريعة على جَلبِ الْمصالح ودَفعِ الْمفاسِد]:

فمنها: أن يعلم أن هذه الشريعةَ المطهَّرةَ السهلةَ السَّمْحةَ مبنيةٌ على جلب المصالح ودفعِ المفاسد، ومَن تَتبَّع الوقائعَ الكائنةَ من الأنبياء، والقصصَ المحكيةَ في كتب اللَّهِ المنزَّلة، عَلِم ذلك علمًا لا يشوبُه شكٌّ، ولا تخالطُه شبهة، وقد وقع ذلك من نبيِّنا وقوعًا لا يُنكرُه مَنْ له أدنى علمٍ بالشريعة المطهرة؛ فإنه لمَّا تبيَّن له نِفاقُ بعض المنافقين، واستحقاقُه للقتل بحكم الشرع، قال: «لا يَتحَدَّثُ الناسُ بأنَّ محمَّدًا يقتُل أصحابَه» (١)، فتَرك قتلَه لجلب مصلحةٍ هي أتمُّ نفعًا للإسلام، وأكثرُ عائدةً على أهله، ودَفْعِ مفسدةٍ هي أعظمُ من المفسدة الكائنة بتركِ قتله.

وبيانُ ذلك: أنه إذا تحدَّث الناسُ بمثل هذا الحديث، وشاع بينهم شيوعًا لا يَتبينُ عنده السبب؛ كان ذلك من أعظم المنفِّراتِ لأهل الشركِ عن الدخول في الدين، لأنه يصُدُّ أسماعَهم ذلك الحديثُ (٢)، فيظنُّون عنده أنَّ ما يعتقدونه


(١) صحيح: وقد تقدم ص (١٣٣).
(٢) أي: كونه يقتل أصحابه.

<<  <   >  >>