للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخَر لجماعةٍ من أهل السوقِ المباشِرين للفِتنة، فصَنع بهم ما صَنع بأولئك، ثم جعل جماعةً من شياطين الجميع في سلاسل، وأَرسل بهم إلى «جزائر البحر» على هيئةٍ منكرة؛ فسَكنت الفتنةُ سكونًا تامًّا (١).

ولقد شهدتُ من التعصُّبات في هذه الفتنةِ ما بَهَرني من الخاصة والعامة.

أما الخاصة؛ فإني رأيتُ مِنْ أهل بيتِ الخلافة مِنْ أولاد الإمام، وغيرهم، ومن الوزراء، والأمراء، والقضاة، وأهل العلم مِنْ ذلك ما يُعجَبُ منه؛ فإني لما أشرتُ على الخليفة بما أشرتُ، خرجتُ من المكان الذي هو مستقِرٌّ فيه إلى حُجرته، وفيها أكابرُ أولاده وهم إذ ذاك أمراءُ الأجناد، وعندهم جميعُ الوزراء، وهم جميعًا في أمرٍ مَريجٍ، فيهم مَنْ يَعظُمُ عليه حبسُ أولئك المدرِّسين، ويراه حطًّا في مرتبةِ الرفض، ونقصًا من الرافضة، وقد فَتَل منهم ذلك الوزيرُ الرافضيُّ في الذِّروة والغارب (٢)، وأوهَمَهم أنها ستثورُ فتنةٌ من العامة والأجناد، وما زال بعضُ أولاد الخليفة يردِّدُ عليَّ ذلك، ويرغِّبُني في الرجوع عن الشَّوْرِ (٣) الذي أشرتُ به على الخليفة، ويذكرُ ما قد ألقاه إليه الوزيرُ الرافضيُّ مِنْ خشيةِ ثورةِ الأجناد والعامة، فما زلتُ أعرِّفُه بالصواب، وأذكرُ له أن هذه الفتنةَ لو لم تُحسَم يومَنا هذا بحَبسِ المُثيرين لها، لهَلَك غالبُ الناس في الليلةِ الواصلة، ونَهبوا الأموالَ جِهارًا، وأنه سيصلُ الأمرُ إلى الخليفة وأولاده فضلًا عن غيرهم، وعرَّفتُه أنه ما سيثورُ بسبب ذلك الأجنادُ ولا غيرهم، فإن هذا تسكينٌ للفتنة؛ لا إثارةٌ لها.

ولقد حَمِدوا هذه المشورةَ بعد حين، وعَرفوا أنها صواب، وأن بها كان


(١) هكذا يكون الإمام العادل المحب لسنة نبيِّه .
(٢) راجع ص (١١٢).
(٣) الشَّور: المشورة.

<<  <   >  >>