للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (١) في تعريفه للإيمان: " .. فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو الإقرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والإنقياد" (٢).

وهذا الإقرار يشمل قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد.

أما معنى الإيمان: فهو التصديق مع الانقياد. وهو تارة يتعدّى بالباء وتارة باللام. فمن الأول - التعدي بالباء- يقال: آمن به قوم (٣) وكذّب به قومٌ، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]. أي يصدقون بأخبار الله عن الجنة والنار (٤).

ومن الثاني - التعدي باللام- قوله تعالى مخبرا عن اليهود أنهم قالوا: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣]، أي لا تقروا ولا تصدقوا (٥).

ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: ١٧]، أي بمصدق لنا (٦).

والفرق بينهما أن المتعدي بالباء هو تصديق المخبَر به، والمعتدي باللام هو تصديق المُخْبِر (٧).

قال الحليمي (٨) : "فمن الناس من قال: آمنت به وآمنت له لغتان يعبَّر بهما عن


(١) هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، الإمام العالم العلامة الفقيه، القدوة، وله المصنفات العظيمة، منها: منهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، والتدمرية، والواسطية، وغيرها، توفي عام ٧٢٨ هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: ٢/ ٣٨٧، والبداية والنهاية: ١٤/ ١٤١، وشذرات: ٦/ ٨٠، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، جمع محمد عزير شمس وعلي العمران.
(٢) الصارم المسلول: ٥١٩، وانظر: الفتاوى: ٧/ ٢٨٩.
(٣) المفردات في غريب القرآن: ٢٥.
(٤) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٥.
(٥) انظر: مجاز القرآن: ٩٧، ومعاني القرآن: ١/ ٢٢٢، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٥٩.
(٦) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٢١٣، المفردات في غريب القرآن: ٩١.
(٧) مجموع الفتاوى: ٧/ ٢٨٩، ٥٢٩، وشرح الطحاوية: ٣٢١.
(٨) هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، كان رئيس المحدثين والمتكلمين في بلاد ما وراء النهر، من مؤلفاته: المنهاج في شعب الإيمان، توفي سنة ٤٠٣ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء: ١٧/ ٢٣١، وشذرات الذهب: ٣/ ١٦٧.

<<  <   >  >>