للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا جاءت النصوص الشرعية بالنهي عن تكفير المسلم والتغليظُ في إخراجه من الإسلام، وخاصة مع إظهاره لشعائر الإسلام وقيامه بها؛ ولو حصل منه ما يظن أنه مكفّرٌ أو مبدعٌ؛ فإنه لا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع عند تكفير المعين أو تبديعه (١).

ولغلظ أمر التكفير وشدة خطورته كان أصحاب النبي يمتنعون عن إطلاق التكفير والتفسيق على أهل القبلة، روى ابن عبد البر عن أبي سفيان قال: "قلت لجابر : أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة: كافر؟ قال: لا. قلت: فمشرك؟ قال: معاذ الله. وفزع" (٢).

وعن عبد الله بن مسعود قال: «ما من مسلمين إلا وبينهما وبين الله ستر، فإذا قال أحدهما للآخر كلمة هَجْر (٣)، خرق ستر الله، وما من رجل يقول للآخر: أنت كافر، إلا كفر أحدهما» " (٤).

ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يعتمدون في الحكم بالكفر من عدمه إلى نصوص الشرع؛ لأن الحكم بالكفر حق لله وحده، وكذلك ما يترتب عليه من التكفير لأن التكفير إخراج من الدين، والدين لله، فالله وحده هو الذي يحكم بقبول العبد أو طرده وإبعاده، قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: ٤٠].

فالتكفير حكم شرعي يترتب عليه إباحة دم شخص قد ظهر إسلامه (٥)، ونطق بالشهادتين، فيدرك إما بنص، وإما بقياس على منصوص "ولا مجال للعقل فيه" (٦)، فهو لا يكون إلا سمعيا قطعيا محضا (٧)؛ لقول النبي : «من بدل دينه فاقتلوه» (٨).


(١) انظر: المرجع: ٣٨٥.
(٢) التمهيد: ١٧/ ٢١. وانظر: كتاب الإيمان للقاسم بن سلام: ٤٧.
(٣) الهجر ضد الوصل، والقبيح من القول. انظر: النهاية في غريب الحديث: ٥/ ٢٤٥، والصحاح: ٢/ ٨٥١.
(٤) مساوئ الأخلاق ومذمومها، باب ما يكره من لعن المؤمن وتكفيره: ٢٥.
(٥) بغية المرتاد: ١/ ٣٤٥.
(٦) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ٢/ ٢٨٢.
(٧) انظر: العواصم والقواصم: ٤/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٨) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب: لا يُعذب بعذاب الله، برقم: ٣٠١٧.

<<  <   >  >>