للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فقدم النابغة السوق، فنزل عن راحلته، وجثا على ركبتيه، واعتمد على يديه وأنشد:

عرفت منازلا بعريقنات (١) … فأعلى الجزع للحيّ المبنّ (٢)

قال حسان: فقلت في نفسي: هلك الشيخ؛ ركب قافية صعبة قال: فو الله ما زال يحسن حتى أتى على آخرها، ثم نادى:

ألا رجل ينشد؟ قال: فتقدم قيس بن الخطيم (٣) بين يديه فأنشد:

أتعرف رسما كاطّراد المذاهب … لعمرة وحشا غير موقف راكب (٤)

حتى أتى على آخرها، فقال له النابغة: أنت أشعر الناس يا ابن أخي قال حسان: فدخلني بعض الفرق، وأني لأجد على ذلك في نفسي قوة، فتقدمت، فجلست بين يديه فقال: أنشد فو الله إنك لشاعر قبل أن تتكلم. فأنشدته:


(١) عريقنات: قال أبو عبيدة: ماء بعرفه، وقال نصر: عرفة من عرفة.
(تاج العروس ٢٧٨:٩).
(٢) المبن: المقيم بهذه المنازل المرتفعة (النابغة الذبياني حياته وشعره، فارس صويتي ٤٣، ١٤٥).
(٣) وهو أبو يزيد قيس الخطيم، واسم الخطيم ثابت بن عدي بن عمرو بن سواد ابن ظفر الأوسي، عاش قيس في الجاهلية وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل قبل الهجرة، قتله الخزرج، وروي أن قيسا قدم على النبي بمكة فعرض عليه الإسلام فقال: إني لأعلم أن الذي تأمرني به خير من الذي تأمرني به نفسي، وفيها بقية من ذاك، فاذهب واستمتع من النساء والخمر، وتقدم بلدنا فأتبعك (ديوان قيس ابن الخطيم ج ٢ ط. العروبة، الأغاني ١١:٣).
(٤) كذا في الأصل، وفي جمهرة أشعار العرب، والخزانة، ووفاء الوفا «كالطراز المذهب».