للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذو ضفيرتين، وهو النابغة، وعن يساره رجل لا أعرفه، فجلست بين يديه فقال: أتعرف هذين؟ فقلت: أما هذا فأعرفه؛ هو النابغة، وأما هذا فلا أعرفه. فقال: هو علقمة بن عبدة (١)، إن شئت استنشدتهما وسمعت، وإن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن أحببت سكتّ. قال قلت: وذاك:، فاستنشد النابغة، فأنشده:

كليني لهمّ يا أميمة ناصب … وليل أقاسيه بطيء الكواكب (٢)

قال: فذهب يصغي. ثم قال لعلقمة: أنشد، فأنشد:

طحا بك قلب في الحسان طروب … بعيد الشّباب عصر حان مشيب (٣)

قال: فذهب يصغي (إلى) (٤) الآخر. ثم قال لي: أنت الآن أعلم، إن أحببت أن تنشدنا بعد ما سمعت فأنشد، وإن أحببت أن تمسك فأمسك. قال: فتشددت وقلت: لأنشد قال: هات، فأنشدته القصيدة التي أقول فيها:

أبناء جفنة حول قبر أبيهم … قبر ابن مارية الكريم المفضل

يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم … لا يسألون عن السّواد المقبل


(١) هو علقمة بن النعمان التميمي من نجد وسادات تميم وشعرائهم المشهورين، شب وترعرع في بادية نجد فأرهفت حسه، وجلت قريحته، وألهمته الشعر الرصين الذي يمتلك المشاعر ويستلب الحواس، ولقب لذلك بعلقمة الفحل. توفي سنة ٥٦١ ميلادية (شرح ديوان علقمة ط. الفكر للجميع ببيروت).
(٢) كليني: دعيني، أميمة: من بنات الشاعر، ناصب: متعب، بطيء الكواكب:
نجومه لا تغيب بسرعة. وقد قال هذا البيت من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الغساني حين نزل به في الشام (النابغة الذبياني - حياته وشعره ٣، ٤٨ ط. دمشق).
(٣) البيت: من قصيدة يمدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني. طحابك: اتسع وذهب في كل مذهب. الطرب: خفة تصيب الرجل لشدة الفرح أو لشدة الحزن.
(٤) إضافة يقتضيها السياق.