مفوّت لأمرين عظيمين: تمرس بفهم قضايا النّصوص، وكشْفُها للشداة. فما كانَ من تعليقي على نصوص الكتاب فمن هاته البابة، وبدهي أنْ يُحالفني الصواب لماماً وأنْ يُخالفني أكثر، وأنا في كلا الحالين أفْزَعُ إلى قصد سليم، ومُرَامِ عالٍ؛ إِنْ شاء الله.
ولعلّ قارئاً يُلِمّ بعمَلِنا هذا، فيُسِرّ النّجوى: كمْ أسرف هذا المحقق على نفْسه، وكمْ أَلْزم نفْسَه غَيْرَ مُلْزَم، وليست هاته الورقات بالكاد مما يحْسُن أنْ يستحيل سِفْراً. ولِضَريب هذا وغيره أقول: إنّ معاناة نصوص النقدة المتقدمين، ليس من الْيُسْر بذاك، ورُبّ كلمةٍ يسْبِقُ إلى وَهم القارئ الْعَجْلان حَيْدُها عن الصّواب، ويقترحُ تَبعاً لذلك ردها - اعْتسافاً ـ بزعمه إلى الْجَدَد وهو الوجه الذي استقرّ عليه نَظره، وبلغ إليه علمه -، فيفْسِدُ الأصْل مِنْ حَيْثُ لا يرعوي، وإنما جنى عليه جهله بما تعني تلك الكلمة في الوقت الذي قيلت فيه، لانزوائها مع مرّ الزمن رُويْداً رويداً عن مجال التداول، ولو تلبث مليّاً واستشارَ طبقة المؤلّفات الموافقة في الفنّ والتاريخ، لكانت ربّما أنارت دربه، وأقالتْ عِثَاره.
ويُخطئ من يظنّ أن هاته النصوص التي جلبها المؤلف طيّعة بالبوح عمّا فيها، فإنها تحتاجُ لمعرفة عميقة بجملة القضايا التي كانت رائجةً في رحبة الحديث، وبالمتون التي كانت متداولة، وبإدارك حاد للحيثيات والسياقات الخاصة التي تحكمُ إصداراً نقدياً معيّناً.
وهذا الذي وصفته هو الذي جعل أكثرَ ما أخشاه أنْ أسْتهين بمعارضة نصوص الكتاب بالمنقول عنها ولو لدى متأخّر، فيذهب بذلك عنّي صواب خفي، أو تنبيه نبيه، فإنّ المحقق مهما بلغت مدارج رُقيه في الصّنْعة، لا يلتفتُ إلى كلّ مُعْضلات النسخة إلا ببلاغ من نُسخ هادية موفورة، فإنْ عُدمت، نزلت الاقتباسات عن الأصل - إِنْ وُجدت - منزلتَها، على أنّ هذا من الضرائر المرتكبة، لِمَا يعتري المنقول في الغالِبِ منْ أفانينِ التصرف.
وأمّا صنيعُنا في التخريج، فالدّلالة على الوجه الذي ذكره المؤلّف