[ومن سورة العاديات]
قرا أَبُو عَمْرو وحده: «والعادِّياتْ ضَّبحًا فالمُغِيْراتْ صُّبْحًا» بإدغام التَّاءِ عند الضَّادِ، والصَّادِ.
والباقُون يُظهرون ذَلِكَ. فمن أدغم مال إلى التَّخفيف؛ لقُرب التَّاء من هَذِهِ الحروف، وسكون التاء، ومن أظهر فعلى الَأصلِ والعاديات: الخيلُ.
وسُئِلَ ابن عباس، عن العاديات، فقال: الخيل، قال لَهُ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنّها الِإبل، فأيُّ خَيلٍ كَانَ مَعَنَا يومَ بدرٍ؟ إنّما كَانَ فرسٌ كَانَ عليها المِقدادُ.
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: فنزعتُ عنْ قولي، ورجعت إلى قول عليّ و «ضَبْحًا» تنصب عَلَى المصدَرِ أيٍّ: تضبَحُ ضَبْحًا، ومن جَعَلَ العاديات الِإبل قَالَ: والعاديات ضبعا أي: قد ضبحها فِيْ السَّيْرِ فأُبدلت من العين حاءً.
كما قَرَأَ ابنُ مسعودٍ: «أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُحْثِرَ مَا فِي الْقُبُوْرِ» وفي قراءتنا «بُعْثِرَ» قَالَ الطَّائِيُّ:
عَدَتْنِيَ عَنْكُمْ غُرْبَةُ النَّأى والنَّوى ... لَهَا طَرْبَةٌ فِيْ أَنْ تُمِرَّ وَلَا تُحْلِى
إِذَا لَحَظَتْ حَبْلًا مِنَ الحيّ مُحْصدًا ... رَمَتْهُ فلم يَسْلَم بقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ
أَتَتْ بَعْدَ هَجْرٍ من حَبِيْبٍ تَبَعْثَرَتْ ... صَبَابَة ما أَبقى الصُّدُودَ مِنَ الوَصْل
وكما قَرَأَ: «فَتَرَبَّصوُا بِهِ عَتَّى حين» بالعين وقراءتنا «حتى»، و «فالموريات قَدْحًا» وهي التي تُورى بسنابِكها نارَ الحُباحب، فقيل: إنّ الحباحب كَانَ رجلًا بخيلًا لا يُوقد ناره لبُخله إلا بالحطب الشَّخت الدَّقيق لئلا يأتيه الضيِّفان {فالمُغِيراتِ صُبْحًا} وهي الخَيْلُ التي تُغير وقتَ السَّحر لأنها تَسير ليلتها جمعاء، ثُمَّ يُصبح الحي فإذا غنمت، وأتوا أهلهم نحروا وأطعموا النَّاس عشاءً.
قَالَتْ الخنساء:
يُذَكِّرُنِي طُلُوْعُ الشَّمْسِ صَخْرًا ... وأَذْكُرُهُ لِكُلِّ مَغِيْبِ شَمْسِ
{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} أي: أثرن بالوادِي غبارا.
{فوسطن به جمعا} قرأن النَّاسُ بتخفيف السِّين إلا عَلَى بْن أَبِي طَالِب - كرّم اللَّه وَجْهَهُ - فإنه قَرَأَ: «فَوَسَّطْنَ بِهِ جَمْعًا» مشدّدًا.