للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن سورة «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرت»

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: هَذِهِ السُّورة التي كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «شَيَّبَتْنِيْ هود وأخواتها»، فأخواتها الواقعة، {إذا الشمس كورت} وهو جميع ما وعظَ‍ اللَّه فِيهِ عباده، وأَنذرهم يومَ الحَسْرةِ، والنَّدامة، وذلِكَ أَنَّهُ جاءَ فِيْ الخَبَرِ: «اِعْمَلُواْ لله فِيْ الَأيَّامِ التي هيَ خَالِصَةً ثلاثمائة وستُّون يومًا».

فذهبَ بعضُهم إلى أيَّامِ السّنةِ. وقال بعضُ العُلماء بالقَرآن: إنَّما عنى بذلك اعملوا ليوم القيامة الَّذِي هُوَ خالصٌ للهِ، كما قَالَ تَعَالى: {والَأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ} لأنَّ الدُّنيا يُملِّكها قومٌ، وذلك اليومُ خالصٌ للهِ فقط‍، وأمَّا ما ذكرَ اللَّه من ذكر القِيامة نحو: الطَّاعة، والصَّاخة، ويومَ الحشر، فوُجِدَ ثلاثمائة وستِّين يومًا.

فإن قيلَ لَكَ: لِمَ ذكرتَ أَنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَيَّبَتْنِي هُوْدٌ وأَخَوَاْتُهَا» وَقَدْ حَدَّثَنَا ابنُ عرفة، عنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، عنْ يَزيد بْن هارون، عنْ حُميد، عنْ أنس، أَنَّهُ سئل هَلْ اختضب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال ما شانه الشيب، فقيل: أَوَ شَيْنٌ هُوَ يا أَبا حمزة؟ قَالَ: كلُّكم يكرهه؟

فَقُل: فِيْ ذلكَ جوابان:

أحدُهما: أنَّ عليًّا كرَّم اللَّه وَجَهَهُ لمَّا غَسله بعدَ وفاته قَالَ: فتَّشْتُ فَوَجَدْتُ شعراتٍ فِيْ لِحيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقُضبان الفِضَّة، فلمَّا كَانَ ذَلِكَ ولا يَظهرُ مِنْهُ إلا بعدَ التَّفتيش لم يَكُن شائِنًا.

والوجه الثَّاني: أَنَّهُ لم يَشِب البَتَّةَ، ومعنا شيبتني أي: لو كان شيء يُشَيِّبُ المَرْءُ لكانت هَذِهِ السُّورة. كما قَالَ: {ولو أن قرآنا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} معناه: لمكانَ هذه القرآن. ومعنى: {إذا الشمس كورت، } أو {انْفَطَرَتْ} و {انْشَقَّتْ} لفظه ماضٍ، ومعناه المُضارع، لأنَّ اللَّه تَعَالى إِذَا أخبر بشيءٍ كَانَ واقعًا لا محالةَ، لأنَّ الخُلفَ إنَّما يقعُ فِيْ أقوالِ المَخلوقين إذْ كانت نواصيهم بِيَدِ غيرهم. فالفعلُ يكونُ بمعنى المُستقبل فِيْ ثلاثةِ مواضع فِيْ الشَّرط‍ والجزاء، وفي أَفعال اللَّه تَعَالى، وفي الدُّعاء إِذَا قُلت: رحمك اللَّه، وأطالَ اللَّه بقاءَك فلفظه ماضٍ وَمعناهُ الاستقبالُ؛ لأنَّه دُعاءٌ. ومعنى كُوِّرت: ذهب ضَوؤها {وإذا النجوم}

<<  <   >  >>