[ومن سورة الفجر]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: أبان اللَّه تَعَالى فِيْ إقسامه بهذه السُّورة، عن غداة يوم النحر، وهو يوم الفَجْرِ وعن عشرِ ذي الحجَّة وهي: {لَيَالٍ عشر}، {والشفع} الخلق جميعًا، {والوَتْرِ} اللَّه تَعَالى. لما أقسم بهذه الَأوقات، وبخلقه، ونفسه قَالَ: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} أي: لذي لُبٍّ لذي عَقْلٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
دُنْيَا دَنَتْ مِنْ جَاْهِلٍ وَتَبَاْعَدَتْ ... عَنْ كُلِّ ذِيْ أَدَبٍ لَهُ حَجْرُ
وقال آخرون: بل اسمُ اللَّه تَعَالى مُضمرٌ قبل السُّورة، فالتقدير ورُبِّ الفَجِر.
وحَدَّثَنَا ابْنُ مجاهدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو قُلابةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشر بْن عُمر، قَالَ حَدَّثَنَا همَّام بْن يَحيى، قَالَ: سُئِلَ قتادةَ، عنْ الشَّفيعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عِمران بْن عصام، عنْ عِمران بْن حُصين، أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عنْ الشَّفعِ والوَتر فَقَالَ: «هي الصلاة منها شفع وو تر».
قَالَ أَبُو عبدُ اللهِ: الشَّفع الزَّكا، وهو الزَّوج. والوَتر الخَسا، وهو الفَردُ: قَالَ الفَرَّاءُ: يكتبان بألف خسا، وزكا؛ لأن زكا من زَكوت، وخسا من خَسوت أصله الهَمز، فلا ينصرفان؛ لأنهما معرفتان، قَالَ الشَّاعِرُ:
وشرُّ أصنافِ الشيوخ ذو ريا ... أطلس يحنو ظَهْرَهُ إِذَا مَشَى
الزَّوراء أَوْ مال اليتيم عنده ... لعبُ الصَّبِيِّ بالحَصَا خَسَا زَكَا
فإن قيل: في «هل أتى على الإنسان» «و {هل فِيْ ذَلِكَ قَسَمٌ» مجازَ «هَلْ» فِيْ العربية؟ .
فقل: «هَلْ» تَنقسم فِيْ كلام العرب ثمانية أقسامٍ:
تكون استفهامًا كقولك: هَلْ قَامَ زَيْدٌ؟
وتقريرا وتوبيخا: كقوله: «هل أنتم مطلعون» «و {هل فِيْ ذَلِكَ قَسَمٌ».
وبمعنى قَدْ كقولِهِ: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الغَاشِيَةِ».
وبمعنى الأمرِ، حَدَّثَنِي ابْنُ مجاهدٍ، عنْ السِّمَّرِيِّ، عنْ الفَرَّاءِ فِيْ قولُه تَعَالى: «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُوْنَ» قَالَ: معناه: انْتَهُوا.
تكون هَلْ بمعنى ما جَحْدٌ، كقولِكَ: هَلْ أنت إلا ذاهبٌ، أي: ما أنتَ إلا