للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة التحريم]

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: إنّما نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورة، لأنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا كَانَ يومَ عَائِشَة رضي الله عنها زارتها حفصة فخلا بها، فبَعث إلى امرأته ماريةَ القِبطية فخَلا معها. فجاءت حفصة فرأت السِتْرَ مُسبلا فخرجَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اكتُمي عليّ ومارية عليَّ حرامٌ، وإن أباك وأبا عائشة يعني أبا بكر خليفتان بَعدي فمرَّت حفصةُ فأخبَرت عائشةُ فَأنزلَ اللَّه فيهما، فقالت حفصة: «مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» وأَنزل اللَّه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} يعني ماريةَ القِبْطِيّة، فطلّق رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حفصة تطليقةً عُقوبةً لها، والميم فِي «لِمَ» مفتوحةً، لأنَّ الأصل: لما، حُذفت الألفُ تَخفيفًا كما يُقال: {عَمَّ يَتَسَآءَلُوْنَ} وعلامَ تَذهب، وفيمَ جِئْتَنِي، ويجوزُ لَمْ ساكِنًا وما بإثبات الألفِ.

فإن قَالَ قائلٌ: ما معنى قولُهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} هَلْ كَانَ فِي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نِساءٌ خيرًا من أزواجه؟ .

فقل: إنَّما شَرُفَ أَزواجُ النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندَ الْإِسْلَام برسولِ اللَّه، فإذا طَلَّقَهْنَّ كَانَ كلُّ من تزوجها الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَهُنَّ أفضلَ مِنْهُنَّ.

وقولُه تَعَالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ}.

قَرَأَ الكِسَائِيُّ وحده: «عَرَفَ» واحتج بأنَّ أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلمي كَانَ إذا سَمِعَ رجلًا قَرَأَ: «عَرَّفَ بَعْضَهُ» بالتَّشديد حًصَبَهُ، ومعنى عرف: غضب من ذَلِكَ، وجازى عَلَيْهِ حين طّلق حفصَة تطليقةً، وهذا كما تَقُولُ للرَّجُلِ يُسيء إليكَ: أمَا والله لأعرفَّن ذَلِكَ.

وقرأ الباقون: «عَرَّفَ» بالتشديد، ومعناه: عرَّف حفصةَ بعضَ الحديث وأعرض عنْ بعضه، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لو كَانَ عَرَفَ بالتَّخفيف لكان عَرَفَ بَعْضَهُ، أَنْكَرَ بعضًا.

وقولُه تَعَالى: {إنْ طَلَّقَكُنَّ}.

روى عَبَّاسٌ، عنْ أَبِي عَمْرٍو: «إنْ طًّلَقَكُنَّ» مُدغِمًا لقرب القافِ من الكاف.

<<  <   >  >>