للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِنْ سُوْرَةِ الجِنّ

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: إنّما سُمِّيت سورة الجن؛ لأنَّ الشَّياطين لما رُجِمَتْ وحُرِست السَّماء منها بعد مولدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إبليس: هَذَا شيءٌ قَدْ حدث فبثَّ جنوده فِي الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليَمن إلى مكة، فأتوا النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ببطنِ نَخلة قائمًا يُصلي يتلو القُرآن فأعجبهم ما سَمِعُوا، ورَقُّوا لَهُ، وأسلموا فكان مِن قولهم ما قصَّ اللَّه تَعَالى فِي هَذِهِ السُّورة: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}.

فحدثني ابنُ مُجاهدٌ، عنْ السِّمَّرِيِّ، عنْ الفَرَّاء، قَالَ: قَرَأَ جويَّةُ الَأسَدِيُّ «قل وُحِيَ» مثل وُعِدَ فاستثقل الضَمَّة عَلَى الواوِ فجعلها همزةً كما قيل: {وإذَا الرُّسل أُقِّتَتْ} و «وُقِّتَتْ» وذلك أن العَرَبَ تَقُولُ: وَحَيْتُ إِلَيْه، وأَوحيتُ إِلَيْه بمعنى، وومأت إِلَيْه، وأَومأت إِلَيْه. قَالَ الرَّاجِزُ:

وَحَي لَهَا القَرَار فاسْتَقَرَّتِ

وقولُه تَعَالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ}.

قَرَأَ ابْنُ كثير وأبو عَمْرو «أنَّه» بالفتح: «وألَّو {استقاموا» «وأن المساجد لله» و «أنه لَمَّا قَاْمَ عَبْدُ اللهِ» بالفَتح أَربعتهن.

وقرأ عاصمٌ ونافعٌ كذلك إلى قولُه: «وإنَّه لَمَّأ قَامَ عَبْدُ اللهِ» فإنَّهما كسراه، وأمَّا عاصِمٌ فكسره فِي رواية أَبِي بكرٍ.

وقرأ الباقون كلُّ ذَلِكَ بالفَتح إلا ما جاءَ بعدَ القَول فاختلف النّاس، فَقَالَ قومٌ: مَنْ فَتَحَ نسق على قوله: «قل أوحي إلي أنه} ........ وأَنَّه» ومن كَسَرَ رده عَلَى قولُه: «قَالُوا {إنَّا سَمِعْنَا} ..... وإنَّا» فإذا جاءت بعد فاءِ الشَّرطِ‍، والجَزَاءِ فمكسورةٌ لا غيرُ؛ لأنَّها موضعُ ابتداءٍ، وهو قولُه: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} بالكَسْرِ.

وَقَدْ رُوِيَ عن طلحة بن مصرف «فأن له» بالفتح جعله ابتداءً والتقدير: ومن يعصِ

<<  <   >  >>