للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: إنَ جبَّارًا فِي صفةِ اللَّه هُوَ الَّذِي أَجْبَرَ عباده عَلَى ما أراد وأحيا وأمات، وهي صفةٌ لا تليق إلا بالله. وكذلك الكبر رداء اللَّه فإذا جاء المخلوق ليتشبه بمَن لا يُشبهه شيء وارتكبَ ما ليس لَهُ ونازع اللَّه جل جلَاله رِدَاءَهُ، وكان مذمومًا لَهُ.

فإن قَالَ قائلٌ: فإن أَفعل لا يكون مِنْهُ فعَّال.

فقل: قَالَ ثعلبٌ: عنْ سَلَمةَ عنْ الفَرَّاء، قَالَ: قد وجدتُ فعالا من أفعل حرفين أدرك فهو دراك نحو أجبر فهو جبَارٌ ولا ثالث لهما، يُقال: أجبرتُه عَلَى كَذا، أي:

قَهَرْتُهُ، وجَبَرْتُ العَظْمَ الفَقِيْرَ فهما مجبوران، والله جابر كل كسر، وجبار.

قَالَ ابنُ خالويه: وقد وَجَدْتُ حرفًا ثَالِثًا أَسْأَرَ الشَّرابَ فِي القَدَحَ فهو سَأَرٌ، وقال الأخطل:

لا بالحصور ولا فيها بسئار ... ومن رَوى بسوَّار فهو المُعربد

وقولُه تَعَالى: {فأطلع إلى إله موسى}.

روى حَفْصٌ عنْ عاصمٌ: «فَأَطَّلِعَ إلى إِلهِ مُوسَى».

روى حَفْصٌ، عنْ عاصمٌ: «فَأَطَّلِعَ إلى إِلهِ مُوسَى» بالنَّصب لأنَّ من العربِ من يَنْصِبُ جوابَ لَعَلَّ بالفَاءِ كما يَنصَبُ جوابُ الاستفهامِ وغيره، وقد قَرَأَ عاصِمٌ أيضًا: «فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى» قَالَ الشَّاعِرُ - شاهدًا لهذه القِرَاءَةِ -:

علَّ صُرُوْفَ الدَّهْر أو دولاتها ... يدللننا اللمة من لشماتها

فتستريح النفس من زفرتها

وفي هَذَا البيت شاهدٌ آخرُ، وهو أَنَّهُ خَفَضَ ب‍ لَعَلَّ وبنى آخره عَلَى الكَسرةِ، وهي لُغةٌ خطَّأها الكُوفُّيون والبَصريُّون، يُقالُ: لعلَّ زيدًا قائمٌ وعلّ زَيْدًا وعلَّ زيدٌ وعَلَّ زيد ولعنك ولأنك ورعنك ورغنك كلُّ ذَلِكَ بمعنى لعلّ.

وقرأ الباقُون بالرَّفعِ: فاطلعُ وهو الاختيار نَسَقٌ عَلَى لعلى أبلغُ فأطلع.

وحكى الأخفش لو أن قارئًا قرأَ: «يَا هَامَانُ ابنُ لِيْ صَرْحًا» بضَمَّ النُّون لكان صوابًا يُتبع ضمة نون «هَامَانُ» بضمَّةِ ابنُ لأنَّ الألف سَقَطَتْ للوَصلِ والباء ليس حاجزًا قويًّا إذْ كان ساكنًا، وهذا غَلَطٌ‍ عندي، لأنَّ كسرةَ النُّون فِي «ابنِ لِيْ صَرْحًا» دِلَاْلَةٌ عَلَى الياءِ السَّاقِطَةِ فَمَتَى ضَممت ذَهبت العلامةُ أَلا تَرى أنَّ النَّحويين قالُوا: مَنْ

<<  <   >  >>