للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعني بِهِ المُؤمنين، وقد كان فِي قراباته كفّارٌ لا يَدْخُلُونَ فِي الدُّعاءِ.

وقولُه تَعَالى: {وإنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكِمْ}.

قرأ أَبُو عَمرٍو وحمزةُ والكِسَائِيُّ بالإِدغام لقُرب الذَّالِ من التَّاءِ.

وقرأ الباقون بالِإظهار؛ لأنَّ الحرفين غيرُ مُتجانسين. ومعنى «عُذْتُ بِرَبِّي» أي:

اعْتَصَمْتُ واستَعَنْتُ باللهِ من كلِّ مُتَكَبِّرٍ عنْ طاعةٍ اللَّه لا يُؤْمِنُ بيومِ الحسابِ أي: الجَزَاء.

فإن قيل لك: ما وزن «عُذْتُ» من الفعل؟

ففي ذَلِكَ ثلاثةُ أجوبةٍ:

قَالَ البصريون: وزنه فَعَلْتُ، والأصل: عَوَذْتُ، فصارت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فوجب سقوطها لسكونها وسكون الذال، ولا دلالة عليها، فنقلُوا فَعَلْتُ إلى فَعُلْتُ عَوَذْتُ إلى عَوُذْتُ لتكون الضَّمة دالةً عَلَى المعنى، وعلى الواو إذا أُسقطت، فالضمة عَلَى عُذتُ ضَمَّةُ الواوِ السَّاقطةِ.

وقال الكِسَائِيُّ: وزن عَوُذْتُ فعلت غير منقولة.

قال الفراء: وزن عوذت: فَعَلْتُ، كما قَالَ البَصريُّون، غير أَنَّهُ جَعَلَ الواو لام الفعل قال: عَوَذْتُ، وكذلك اختلافهم فِي جميع ما شاكلَ هَذَا نحو: قُلتُ، وزلْتُ، وحلْتُ. وعندَ الفَرَّاء قلوت وحلوت، وزلوت، وذلك خطأ عندَ البَصريِّين.

وقولُه تَعَالى: {عَلَى كلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.

قرأ أبو عمرو ذكوان، عنْ ابْنُ عامر: «قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ» منونًا جعله نعتًا للقلب؛ لأنَّ القلب إذا تكبَّرَ تكبَّرَ صاحِبُهُ، كما قَالَ: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَهَاْ خاضعين} لأن الأعناق لما خضعت أخضعت أربابها: مررت بيوم عاصف أي: عاصف ريحه.

وقرأ الباقون: «عَلَى كلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرِ» بالإضافة أي: عَلَى كلِّ قلبٍ رَجُلٍ مُتَكَبِّرٍ، واحتَجُّوا بما حدثني ابن مجاهد، عن السمري، الفَرَّاءِ، قَالَ: فِي حرفِ عبدِ اللَّه «كذلك يَطْبَعُ اللَّه عَلَى قَلْبِ كلِّ مُتَكَبِّرٍ جبَّارٍ بِهِ» فهذا شاهدٌ لمن أضاف.

قَالَ الفَرَّاءُ: وسمعتُ بعضَ النَّحوِيّين يَقُولُ: إنَّ فُلانًا يرجِّلُ شَعرهُ يومِ كلَّ جمعةٍ فقدم وأخر. والجَبَّارُ فِي اللُّغةِ: الَّذِي يَقْتُلُ عَلَى الغضب لَهُ.

فإن سَأَلَ سائلٌ، فَقَالَ: إنَّ صفات اللَّه تَعَالى نَحو: عَلِيْمٍ، وكَبِيْرٍ، وجبَّارٍ، محمودةٌ فلم صار هذا مذموما؟

<<  <   >  >>