وفيه قراءةٌ رابعة - بخلاف المصحف فلا يجوز القراءة بها -: «حَتَّى إذَا افَْرَنْقَعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ» رُوىَ ذَلِكَ، عن ابْنُ مَسْعُودٍ وروى عن عِيسَى بْن عُمَر، وذلك أَنَّهُ سَقَطَ من حمارة ذات يوم فاجتمع عليه الناس، قال: ما لي أراكم قد تكأكأتم عَلَى كتكأكئكم عَلَى ذي جِنَّةٍ، فافرنقعوا عَنِّي.
وقولُه تَعَالى: {وَهَلْ نُجَازِى إلَّا الكَفُورُ}.
قرأ حمزة والكِسَائِيُّ وحفص، عن عاصم «نُجازي» بالنون، اللَّه تَعَالى يخبر عن نفسه: «إلَّا الكفور» قرأ حمزة والكسائي وحفص، عن عاصم نصب مفعول بِهِ.
وقرأ الباقون: «يُجازَي» بالياءِ، وفتحِ الزَّاي عَلَى ما لم يُسم فاعله، و «الكَفُورُ» رفع، وهَلْ فِي هَذَا الموضع بمعنى الجحد، كقولك ما يجازي إلا الكفور، قَالَ الشَّاعِر:
فَهَلْ أَنْتُمُ إلَّا أَخُونَا فَتُحزبوا ... عَلَيْنَا إذَا نَابَتْ عَلَيْنَا النَّوَائِبُ
ذَلِكَ أن هَلْ تكون استفهامًا وجحًدا وأمرًا. كقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُوْنَ} أي:
انتهوا. وتكون بمعنى قد كقوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ} قد أتى على الإنسان، وإلا تحقيق بعد جحدٍ، أعنى فِي قولُه: {وَهَل نُجَازِيْ إلَّا الكَفُوْرُ}.
- وقولُه تَعَالى: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أسْفَارِنَا}.
قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمروٍ وهشام بْن عامرٍ: «ربَّنَا» عَلَى الدعاء، أي: يا ربنا بالنصب. و «رَبَّنَا» بالنَّصب أيضًا «باعِدْ» بألف أيضًا و «باعِدْ» دعاءٌ عَلَى لفظ الأمر، وكذلك «بَعّد، وعلامة الأمر سكون الدّالِ. والمصدر باعدَ يُباعِدُ مباعدةٌ فهو مباعد ومن الأول بَعد يبعد بعدًا فهو مبعد.
وفيها قراءةٌ ثالثةٌ: روى عماد بْن مُحَمَّد، عن الكلبي، عن أَبِي صالح «ربّنا» بالرَّفعِ عَلَى الابتداء «باعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا» عَلَى الخَبَر ف «بَاعَدَ» فعلٌ ماضٍ عَلَى هذه القراءة.
حَدَّثَنِي بذلك أَحْمَد، عن عليّ، عن أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: فإن قيلَ لَكَ: باعَدَ خبرٌ، وباعِدْ دعاء، فلم جاز فِي آية من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ أن يُقرأ بالشيء وضدِّه.
فالجوابُ فِي ذَلِكَ: أنَّهم سألوا ربَّهم أن يُباعد بين أسفارهم فلما فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بهم أخبرُوا، فقالوا: ربَّنا باعدَ بين أسفارنا فأنزل اللَّه ذَلِكَ فِي العرضتين فاعرف ذَلِكَ. وله فِي القرآن نظائر.