غير أنَّ ابنَ كثيرٍ لا يمدُّ، ونافعٌ يمدُّ، وحفصٌ عن عاصمٍ، وابن عامرٍ بهمزتين وأبو عَمْرٍو يستفهم بهما جميعًا. غير أَنَّهُ يمد «أئنكم» وقد ذكرتُ علّة ذَلِكَ فيما مضى.
فإن قيل: بم نُصبَ لُوْطًا؟
فقيل: بإضمار فعلٍ، والتَّقديرُ: واذكر لوطًا إذ قَالَ لقومه.
وإن قيل: لِمَ صرفت لوطًا، وهو عَجَمِيٌّ؟
فقل: لمَا كان اسمًا عَلَى ثلاثةِ أحرفٍ وأوسطه ساكنٌ خفَّ فصرف لِذَلِكَ، وكذلك نُوْحٌ، فأمَّا هودٌ فعربيٌّ.
وقولُه تَعَالى: {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ}، و {إنَّا مُنَجُّوْكَ}.
قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ بتخفيف الحَرفين كليهما.
وقرأ نافعٌ وأبو عَمْرٍو وابنُ عامرٍ وحفصٌ، عن عاصمٍ بتشديد الحرفين كليهما.
وقرأ ابنُ كثيرٍ وأبو بَكْر، عن عاصم: «لننجِّينه» مشدّدًا و «إنا مُنْجُوْكَ» مخفَّفًا، فمن خففها جعلها من أَنجى يُنجى مثل أَقام يُقيم، كما تقولُ: نَجا زيدٌ من الغَرق، وقام زيدٌ وأنجاه اللَّه، وأَقامه، وشاهده: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِيْنَة» و «لَئِنْ انْجَانَا مِنْ هَذِهِ».
ومَنْ شدَّدها جعلها من نَجِّى يُنَجِّى، وهو بمعنى أندى، مثل كرَّم، وأكرم، ونَزَّل وأنزل. غير أن نَجَّى وكَرَّمَ أبلغُ، لأنه مَرَّةً بعدَ مرةٍ؛ ومن خَفَّفَ واحدًا وشدَّد الآخر جمع بين اللُّغتين؛ ليُعلم أنهما جائزتان.
فإن سَأَلَ سائلٌ فَقَالَ: لِمَ قَالَ اللَّه تَعَالى: {مُنَجُّوْكَ وأَهلَك} بفتح اللَّام، وقال: {قُواْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} بكسرِ اللَّام. وموضعهما نصبٌ؟
فالجوابُ فِي ذَلِكَ: أنَّ العربَ، تَقُولُ: رأيتُ أَهلك يريدون جميع القرابات، ومنهم من يَقُولُ: رَأَيْت أهلين، فجمع أهلًا عَلَى أهلين فقوله: {وأهليكم} يريد تَعَالى:
وأهلينكم، فذهبت النون للإضافة والياء علامةُ الجمعِ والنَّصب، واللام كسرت لمجاورة الياء، ومن ذَلِكَ الحَدِيْثُ: «إنَّ لله أهلين قِيْلَ: من هُمْ؟ قَالَ: أهلُ القرآن هُمْ أهل اللَّه وخاصته» من العرب من يجمع أهلا أهلات، أَنشدني ابنُ مُجاهدٍ:
فهُمْ أَهَلَاْتٌ حَوْلَ قيس بن عاصم ... إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا