موضع «كلَّ» منصوب فِيْ المعنى، وإن كان جرًّا فِيْ اللَّفظ كَمَا تَقُولُ: هذا راكبُ فرسٍ. والأصل راكبٌ فرسًا. ولو قرأ قارئ: «والله خالِقٌ كلَّ دابة» كان سائغًا فِيْ النحو مثل: «كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ» إلا أنَّ القراءةَ سنةٌ لا تُحمل عَلَى قياسِ العَرَبِيَّةِ إنَّمَا يتبع بِهِ الأئمَّة.
وقولُه تَعَالى: {وَلَيُبَدِّلَنَهُمْ}.
قرأ ابن كثير، وَأَبُو بَكْر، عَنْ عاصم «يُبْدِلنَّهُمْ» خفيفًا.
وقرأ الباقون، وحفص عَنْ عاصم مشدَّدًا. وقد ذكرت الفرق بينهما فِيْ سورة النّساء، والكهف فأغنى عن الإعادة هاهنا.
وقوله تعالى: {ويخش اللهَ وَيَتَّقْهِ}.
فيه أربعُ قراءاتٍ:
قرأ ابنُ كثيرٍ، وعاصمٌ فِيْ روايةِ أبي بكرٍ، وحمزةٌ، وابنُ عامرٍ «يَتَّقِهْ» ساكنًا، وذلك أن الياء لما اختلطت بالفعل وصارت من دَرْجِهِ ثَقُلت الكلمة، فخُفّفت بالإسكان.
وَقَالَ آخرون: بل تَوَهَّمُوا أنَّ الجزمَ واقعٌ عَلَى الهاءِ.
وقرأ نافعٌ - فِيْ روايةِ ورشٍ - وابنُ كثيرٍ والكِسَائِيّ «وَيَتَّقِهِيْ» بكسر الهاء لمجاورة القاف المكسورة يتبعون الهاء ياءً تقوية.
وروى قالون عَنْ نافعٍ «وَيَتَّقْهِ» باختلاس الحركة، وهو الاختيار عند النَّحويين، لأنَّ الأصلَ فِيْ الفعلِ قبلَ الجزمِ أن يكونَ يتَّقِيْهِ بالاختلاس فلما سقطت الياء للجزمِ بقيت الحركةُ مختلسةً كأول وَهلةٍ.
والقراءةُ الرَّابِعَةُ: روى حفصٌ، عَنْ عاصمٍ «وَيَتَّقْهِ» بإسكان القاف وكسر الهاء، وله حُجَّتان:
أحدهما: أَنَّهُ كره الكسرة في القاف، فأسكنها تخفيفًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
عَجِبْتُ لمولودٍ وليس له أب ... ومن ولد لم يلده أبوان
يعني: آدم وعيسى عليهما السَّلَام. أراد «لم يَلِدْهُ فأسكن اللَّام».
ويجوز أن يكونَ أسكنَ القافَ والهاءُ ساكنةٌ فكسر الهاءَ لالتقاءِ الساكنين.
كما قرأ عاصمٌ فِيْ أول الكَهف «مِنْ لَدُنْهِ» بكسر الهاء لسكونها، وسكون النون.