وفيها حجَّةٌ ثالثةٌ: أنَّ من العربِ مَنْ يقولُ: زيدٌ لم يَتَّقْ فجزم القاف بعد حذف الياء، توهمًا أن القاف آخر الكلمة، وينشد:
وَمَنْ يَتَّقْ فإنَّ الله مَعْهُ ... ورِزْقُ اللهِ مؤتابٌ وغادِى
وقولُه تَعَالى: {سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ}.
روى قُنبل، عَنْ ابنُ كثيرٍ «سَحَابٌ ظلماتٌ» عَلَى الابتداء، وروى غيره عَنْ ابن كثير «سَحابُ ظُلُماتِ» بالكسرِ مضافًا غيرَ منونٍ. وقرأ الباقون: «سَحَابٌ ظُلُماتٌ» بالرّفع عَلَى النّعت، فشبه الله تَعَالى الكفر بظلمات، كَمَا شبه المؤمن بالمصباح.
{إذا أخرج يده لم يكد يراها}
فيه قولان:
قَالَ بعضهم: يراها بعد إبطاءٍ لشِدَّةِ الظُّلمة.
وَقَالَ آخرون: لم يَرَهَا وَلَمْ يَكَدْ.
فأمَّا ابنُ كثيرٍ إذَا نوّن «سحابٌ» وخفض «ظُلُمَاتٍ» فإنَّه يجعلها بدلًا من الظَّلمات التي قبلها. والتَّقدير: أو كظلماتٍ .... ظلماتٍ.
ومن أضافَ ولم يُنَوِّن جعل السِّحاب غيرَ الظُّلمات.
وقوله تعالى: {لا تحسبن الذين كفروا مُعْجِزِينَ}.
قرأ ابنُ عامرٍ وحمزةُ بالياء.
وقرأها الباقون بالتَّاءِ فموضع «الَّذِيْنَ» نصبٌ، و «مُعْجِزِينَ» المفعول الثاني، والمفعول الثّاني لمن قرأ بالياء «فِيْ الأرْضِ».
وَقَالَ الَأخفشُ: من قرأ بالياء يجوز أن يكون «الَّذِيْنَ» فِيْ موضع نصبٍ عَلَى تقدير: «ولا يَحسبنَ الَّذِيْنَ» مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفاعل.
وقولُه تَعَالى: {كَمَا اسْتخَلَفَ الَّذِيْنَ}.
قرأ عاصمٌ - فِيْ رواية أبي بَكْرٍ - «كَمَاْ اسْتُخْلِفَ» بضمّ التاء عَلَى ما لم يُسَمَّ فاعله.
وقرأ الباقون «كَمَا استَخْلَفَ» بفتح التاءِ لذكرِ الله تَعَالى قبل ذَلِكَ وبعده. فمَن ضمَّ التَّاء ف «الَّذِيْنَ» فِيْ موضع رفعٍ. ومن فَتَحَ التاء: «فالذين» فِيْ موضع نصب.