وَالنَّجْمِ، وَقَرَأَ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ غَيْرَ مُنَوَّنٍ، «وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى» وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَنْهُ مُنَوَّنًا، فَمَنْ نَوَّنَ هَؤُلَاءِ الْأَحْرُفِ ذَهَبَ إِلَى اتِّبَاعِ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّهُنَّ فِي الْمُصْحَفِ مَكْتُوبَاتٍ بِالْأَلِفِ، وَتَرَكُوا سَائِرَ الْقُرْآنِ غَيْرَ مُجْرًى، فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اسْمًا مُذَكَّرًا لِحَيٍّ أَوْ رَئِيسٍ، وَيَجُوزُ لِمَنْ صَرَفَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ اسْمًا عَرَبِيًّا، فَيَكُونُ ثَمُودُ فَعُولًا مِنَ الثَمَدِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهُ أَثْمَادٌ، قَالَ النَّابِغَةُ».
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ ... إِلَى حَمَامٍ شِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ
وَيُقَالُ: رَجُلٌ مَثْمُودٌ أَيْضًا مَشْفُوهٌ: إِذَا كَثَّرَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفِ وَيُقَالُ: رَجُلٌ مَثْمُودٌ: إِذَا نَزَفَتِ النِّسَاءُ مَاءَهُ فِي الْجِمَاعِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ أَرْبَعَتُهُنَّ مُنَوَّنَاتٍ اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ أَيْضًا.
فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ}.
فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ فَهَلَّا نُوِّنَ كَمَا نُوِّنَ سَائِرُ الْمَنْصُوبَاتِ؟
فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَإِنَّمَا أَرَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْمَ مُنَوَّنًا فَإِذَا اسْتَقْبَلَهُ أَلِفٌ وَلَامٌ جَازَ تَرْكُ التَّنْوِينِ كَقَوْلِهِ: {أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذَا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا
أَرَادَ: «غُطَيْفٌ»، فَكَأَنَّ ثَمُودَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ تُتْبِعُ تَنْوِينَهُ إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ أَلِفٌ وَلَامٌ، فَكَانَ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ أَلِفٌ وَلَامٌ حُذِفَ التَّنْوِينُ وَاجِبًا.
وَزَادَ الْكِسَائِيُّ عَنْ أَبِي عمرو وأصحابه حرفا خامسا «إِنَّ ثَمُودَا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ» فَقَالَ: إِنَّمَا أَجْرَيْتُ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ اسْتَوْحَشَ أَنْ يُنَوِّنَ اسْمًا وَاحِدًا وَيَدَعَ التَّنْوِينَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ جَوَّدَ، لِأَنَّ أَبَا عَمْرٍو سُئِلَ لِمَ شَدَّدْتَ قَوْلَهُ:
{قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}. وَأَنْتَ تُخَفِّفُ يُنَزِّلَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}.
قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «قَالَ سِلْمٌ» بِكَسْرِ السِّينِ وَجَزْمِ اللَّامِ.