{مِنَ الطَّيِّبِ} أَيْ: يَمِيزَ مَا يُنْفِقُ الْكَافِرُ وَمَا يُنْفِقُ الْمُؤْمِنُ فَيَرْكُمُهُ جَمِيعًا، أَيْ: يَجْعَلُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يَحْمِلُ عَلَى الْكَافِرِ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُ عَذَابًا وَثِقَلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ}.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ}.
قَرَأَ حَمْزَةُ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَكَسْرِ السِّينِ، إِلَّا عَاصِمًا فَإِنَّهُ فَتَحَ السِّينَ أَيْضًا، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، جَعَلَ الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: فَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ أَفْلَتُوا مِنْ هَذِهِ الْحَرْبِ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللَّهَ، أَيْ: يَفُوتُونَهُ فَ «الَّذِينَ» الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِ «تَحْسَبَنَّ» وَ «كَفَرُوا» صِلَةُ «الَّذِينَ» وَ «سَبَقُوا» الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَ «إِنَّهُمْ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُسْتَأْنَفٌ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ «إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ» بِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى بِأَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ، وَيَجْعَلُ «أَنَّهُمْ» بَدَلًا مِنْ «سَبَقُوا» وَيَكُونُ مَعْنَى «سَبَقُوا» مَصْدَرًا بِإِضْمَارِ «أَنْ» خَفِيفًا وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ سَبَقُوا، كَمَا تَقُولُ: حَسِبْتُ زَيْدًا أَنْ قَامَ، ثُمَّ تَحْذِفُ «أَنْ» فَتَقُولُ: حَسِبْتُ زَيْدًا قَامَ.
وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا».
وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ» اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى فَتْحِ النُّونِ، لِأَنَّهَا نُونُ جَمَاعَةٍ كَمَا تَقُولُ: يَضْرِبُونَ وَيَأْكُلُونَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لأن أحمد بن عبدان، حدثني عن علي، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: «لَا يُعْجِزُونِي» بِكَسْرِ النُّونِ، أَرَادَ: يُعْجِزُونَنِي فَحَذَفَ إِحْدَى النُّونَيْنِ اخْتِصَارًا، وَحَذَفَ الْيَاءَ اجْتِزَاءً بِالْكَسْرَةِ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ}.
قَرَأَ عَاصِمٌ وَحْدَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ بِكَسْرِ السِّينِ.
وَالْبَاقُونَ يَفْتَحُونَ، وَذَكَرْتُ عِلَّتَهُ فِي الْبَقَرَةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ: السَّلْمُ: الصُّلْحُ، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ السِّلْمُ وَالسَّلْمُ وَالسَّلَمُ وَأَنْشَدَ:
أَنَائِلُ إِنَّنِي سَلْمٌ ... لِأَهْلَكِ فَاقْبَلِي سَلَمِي
وَالسَّلْمُ أَيْضًا: أَيْضًا: السَّلَفُ، وَالسَّلْمُ، أَيْضًا: شَجَرٌ وَاحِدَتُهَا سَلَمَةٌ، وَبِهِ سُمِّيَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، فَأَمَّا الدَّلْوُ فَالسَّلْمُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ.