- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ}.
قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ» بِالنَّصْبِ، «إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ» بِالرَّفْعِ، وَهَذَا خُلْفٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، لِأَنَّ «كَانَ» إِذَا أَتَى بَعْدَهَا مَعْرِفَةٌ وَنَكِرَةٌ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ الِاسْمَ وَالنَّكِرَةُ الْخَبَرَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ النَّكِرَةُ اسْمًا لِكَانَ لِضَرُورَةِ شَاعِرٍ كَمَا قَالَ:
كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
فَإِنَّكَ لَا تُبَالِي بَعْدَ حَوْلٍ ... أَظَبْيٌ كَانَ أَمَّكَ أَمْ حِمَارُ
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِلشَّاعِرِ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ هُوَ الِاسْمُ أَوْ مِنْ سَبَبِهِ، وَالْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: «مُكًا» مَقْصُورٌ.
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: وَلَا وَجْهَ لِلْقَصْرِ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتِ كُلَّهَا جَاءَتْ بِالْمَدِّ نَحْوَ الدُّعَاءِ، وَالرُّغَاءِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ جَاءَ الْبُكَاءُ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا قَالَ الشَّاعِرُ:
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ
فَإِنْ صَحَّ فِي اللُّغَةِ قَصْرُهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو جَازَ كَمَا قُصِرَ الْبُكَاءُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي اللُّغَةِ كَمَا شَذَّ فِي الْقِرَاءَةِ رُفِضَ فَاعْرَفْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَطِيفٌ.
وَالْمُكَاءُ مَمْدُودٌ خَفِيفُ الْكَافِ، الصَّفِيرُ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، وَالْمُكَاءُ مُشَدَّدُ الْكَافِ، طَائِرٌ، وَجَمْعُهُ مُكَاكِيٌّ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا أَيُّهَا الْمُكَاءُ ما لك هَاهُنَا ... أَلَا وَلَا أَرْطًى فَأَيْنَ تَبِيضُ
فَأَصْعِدْ إِلَى أَرْضِ الْمَكَاكِيِّ وَاجْتَنِبْ ... قُرَى الشَّامِ لَا تَتْوَى وَأَنْتَ حَرِيضُ
فَأَمَّا مَكَاكِيكُ: فَجَمْعُ مَكُّوكٍ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «لِيُمَيِّزَ اللَّهُ»» مُشَدَّدًا.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مُخَفَّفًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ عِلَّتَهُ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَمَعْنَى {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ}